11 سبتمبر 2025

تسجيل

الزيادة السكانية في قطر والآثار المترتبة عليها

17 يوليو 2018

سعدتُ في الأسبوع الماضي بحضور جلسة الحوار التي نظمتها مكتبة قطر الوطنية بالتعاون مع اللجنة الدائمة للسكان، حول موضوع النمو السكاني في قطر. وقد تفضل العميد عبدالرحمن السليطي عضو اللجنة، بتقديم عرض للوضع السكاني في قطر من جوانبه المختلفة، وتلا ذلك حوار مثمر شارك فيه عدد من السادة والسيدات الحضور، من بينهم الدكتور عبدالعزيز المغيصيب عميد كلية التربية سابقاً وعضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والسيد عبدالهادي صالح الشاوي مدير المكتب الفني باللجنة الدائمة للسكان. وقد دار الحوار بحثاً عن حلول لخلل التركيبة السكانية. فالمعروف أن عدد السكان قد تضاعف حوالي 25 مرة من 111 ألف نسمة عام 1970 إلى2.73 مليون نسمة في عام 2018. وقد تسببت معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة منذ العام 2006 في زيادة الطلب على العمالة الوافدة سواء ما كان منها لإنجاز مشروعات تحديث البُنية التحتية وتطوير الخدمات، أو تلك الخاصة بتنظيم كأس العالم في قطر. وتحدث العميد السليطي بالأرقام عن مظاهرخلل التركيبة السكانية، ومن ذلك تضخم فئة أعمار من هم في سن العمل (15-64 سنة)، إلى مستوى مرتفع جداً بلغ 85%، وارتفاع نسبة النوع إلى حوالي 314 –أي أنه مقابل كل 100 أنثى هناك حوالي 314 ذكراً- وهي نسبة عالية جداً، وتكون في المعتاد في حدود 105. ومن مظاهر الخلل أيضاً انخفاض "معدل الإعالة العمرية"، إلى مستوى 15% وهي بذلك الأكثرانخفاضاً في العالم. على أن أهم مظهر من مظاهر خلل التركيبة السكانية هو في انخفاض عدد القطريين إلى ما نسبته 11% فقط من إجمالي عدد السكان. كما تحدث سيادته عن الآثار الناجمة عن الزيادة السكانية، ومنها آثار إيجابية؛ تمثلت في النهضة التنموية، مقابل آثار سلبية عديدة، منها اقتصادية كارتفاع التحويلات المالية إلى الخارج بما يؤثر سلباً على ميزان المدفوعات، وآثار اجتماعية، وثقافية، وأخرى أمنية تتمثل في ارتفاع عدد القضايا المرفوعة للمحاكم، وآثار بيئية، وأخرى ضاغطة على الخدمات كخدمات الصحة والتعليم وشبكة الطرق العامة. ولمواجهة الواقع السكاني والأخطار الناجمة عنه، أشار العميد السليطي إلى أن الدولة أنشأت في عام 2004 اللجنة الدائمة للسكان، وأنيط بها مهمة إعداد السياسة السكانية الهادفة إلى إصلاح الخلل الحاصل في التركيبة السكانية. وقد أنجزت اللجنة وثيقة السياسة السكانية الأولى (2009-2014)، والثانية (2017-2022). " وتعمل اللجنة مع الجهات المختلفة على إدارة معدلات النمو السكاني المتسارعة ومعالجة تداعياتها بما يعود بالنفع على المجتمع. فمثلاً لتحقيق هدف "زيادة عدد المواطنين" حددت السياسة السكانية إجراءات مثل: استصدار تشريع لإقرار صندوق الزواج، وإدخال مضامين خفض المهور، وتكاليف الزواج في المناهج التعليمية، ووضع معايير واضحة لمنح الجنسية القطرية للمقيمين بصورة دائمة، وأصحاب الخبرات والتخصصات النادرة، وتعزيز الإجراءات الهادفة إلى الحد من حوادث المرور، والحد من ظاهرة الإحالة للتقاعد المبكر، وإعادة تأهيل القطريين للعمل في الميادين المختلفة " وأشار العميد السليطي إلى أن انتهاء مشروعات كأس العالم خلال العامين القادمين سوف يؤدي إلى تراجع عدد السكان بحيث يصل إلى 2.12 مليون نسمة في عام 2025، وإلى 2.06 مليون نسمة في عام 2030، وإلى 2.08 مليون نسمة في عام 2035. ومع ذلك سيظل الخلل السكاني قائماً وبشدة بالنظر إلى أن عدد السكان القطريين سيظل منخفضاً بالمقارنة بالعدد الكلي، وخاصة مع ملاحظه تراجع معدلات الإنجاب عند القطريين. وتحدث العميد السليطي أخيراً عن التوجهات الممكنة لمعالجة آثار الزيادة السكانية، فأكد على ضرورة التفكير في حلول ناجعة، واقترح أن يتم التعامل من خلال جملة توجهات مكملة لبعضها البعض من جهة، ومن بين الحلول المطروحة للنقاش : الحد من استقدام العمالة الوافدة، والتخلص من الأعداد الفائضة منها، ودعم التوجه نحو اقتصاد المعرفة، وزيادة فرص تشغيل ابناء المقيمين، وزيادة نسبة المواطنين بين مجموع السكان. وفي تقديري الشخصي أن التطورات السياسية المتلاحقة في المنطقة باتت تفرض حلولاً غير تقليدية لمعالجة الخلل السكاني في قطر، وأن من الضروري العمل على زيادة عدد القطريين؛ بتجنيس من ينطبق عليهم قانون الجنسية. وقد أشرت إلى هذا الموضوع أول مرة في سلسلة مقالات في عام 1995 ونشرتها في كتاب بعنوان "قطر على أبواب القرن الحادي والعشرين"، وجاءت تحت عنوان "السكان وقوة العمل". فإذا كان عدد السكان المتوقع في عام 2025 سيكون في حدود 2.1 مليون نسمة، فلماذا لا يكون نصفهم، أو حتى ثُلثهم من القطريين؟ وإذا كان هناك من يمانع في ذلك بمبرر التكلفة المالية المترتبة عليها، فإن هناك حلولاً عديدة يمكن النظر فيها لتجاوز هذه المعضلة.