13 سبتمبر 2025

تسجيل

الرابحون والخاسرون من الاتفاق النووي

17 يوليو 2015

بعد أكثر من ثلاثة عقود من الصراع التاريخي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن كانت كراهية الولايات المتحدة هي السمة الواضحة للدولة الإيرانية، حيث تجلت مظاهر هذه الكراهية من خلال الهتافات المتكررة للحشود الشعبية عقب صلاة كل يوم جمعة:« الموت لأمريكا»، «الموت لإسرائيل»، أبرمت الدول الخمس الكبرى +ألمانيا مع إيران يوم 14يوليو 2015، اتفاقاً تاريخياً في العاصمة النمساوية فيينا حول البرنامج النووي الإيراني بهدف ضمان طبيعته السلمية البحتة، مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران بصورة تدريجية. وبموجب هذا الاتفاق تعترف القوى الدولية رسميا بالبرنامج النووي السلمي لإيران وتحترم ممارسة الشعب الإيراني لحقوقه النووية في إطار المعاهدات الدولية، وسيتم رفع عنها العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة عليها، ويفسح في المجال لتحرير الأرصدة الإيرانية، وعشرات مليارات الدولارات في المصارف الغربية. وكان الإيرانيون طالبوا بآلية قانونية مرنة لتقصير المهل، وإبلاغ المصارف بالاتفاق من أجل تحرير الأرصدة المجمدة في البنوك الغربية. وسيفتح هذا الاتفاق صفحة جديدة في علاقات لبناء الثقة بين إيران والغرب، وتعزيز السلام العالمي ويُثبت أن الدبلوماسية والتعاون قادران على إزالة عقود من التوتر. فقد أبرمت مجموعة «5+1» وإيران في فيينا، يوم الثلاثاء 15يوليو 2015، بعد 22 شهرا من المفاوضات المكثفة، اتفاقا تاريخيا حول البرنامج النووي الإيراني ويستمر حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران لمدة خمس سنوات، فيما لن ترفع العقوبات المتعلقة بتسليح إيران بالصواريخ إلا بعد مرور ثماني سنوات على توقيع الاتفاق، إلا أنه ينص على إلغاء جميع إجراءات الحظر الاقتصادية والمالية المفروضة على إيران دفعة واحدة، ومن بينها، إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على 800 شركة ومؤسسة تجارية واقتصادية وفي مقدمتها المصرف المركزي الإيراني والمصارف الإيرانية الأخرى، وشركة النفط الوطنية وشركة السفن والملاحة البحرية. من خلال إبرام هذا الاتفاق التاريخي، ستتحول إيران إلى قوة اقتصادية كبرى في منطقة الشرق الأوسط، وهي رهانات لن تجد طريقها إلى التحقق إلا بعد رفع العقوبات الاقتصادية على إيران.وجاء تعيين وزراء المجموعة الاقتصادية من ذوي التوجّه النيوليبرالي مقصوداً تماماً، لأن ذلك «سيرفع عوائق كثيرة من أمام ترطيب العلاقات الإيرانية - الأمريكية، بحيث يحصر الخلاف في نظرة كل من إيران وأمريكا للعالم والمنطقة بالمنظور السياسي فقط» (مصطفى اللباد - «السفير»: حكومة روحاني الجديدة تكشف انحيازاتها مبكراً 12/8/2013). بمعنى آخر، تراهن حكومة روحاني على السوق الإيراني الواعد بملايينه الثمانين وقدراتها الاقتصادية المتحررة من العقوبات للسيطرة على المنطقة من غير وسيلة السلاح النووي. وتملك إيران من الآن مشروعات جاهزة للعمل عليها للتحول إلى مركز «طريق الحرير الجديد»، عبر إنشاء مشروعات عملاقة تربط إيران بجيرانها الأقربين والأبعدين، مثل إقامة موانئ جديدة على بحر العرب وتوسيع المطارات القائمة لاجتذاب رحلات طيران مباشرة وسائحين من شرق آسيا، ومدّ خطوط أنابيب الغاز الطبيعي جنوباً إلى الهند وباكستان وشمالاً إلى تركيا وأوروبا وبالتوازي معها خطوط سكك حديدية في الاتجاهين. ورغم الخلافات السياسية القائمة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، فإن القيادة السياسية الإيرانية ستتعامل ببراغماتية عالية في المجال الاقتصادي مع الدول الكبرى الغربية، لاسيَّما الولايات المتحدة الأمريكية، التي سيسيل لعاب شركاتها العملاقة على الاستثمار في السوق الإيرانية الناشئة التي تعد 80 مليون مستهلكا، فضلاً عن الثروات البترولية والغازية التي تملكها إيران. وما يهم الشركات الأمريكية العملاقة، هو الاستثمار في قطاع الطاقة والذي تحتاجه إيران من أجل تطوير بنيتها التحتية في هذا المجال، وقد تصل الاستثمارات في قطاع الطاقة إلى مئات المليارات من الدولارات، وهو ما لا تقدر عليه سوى الشركات الأمريكية، التي تمتلك التكنولوجيا المتطورة ورأس المال. وبالمقابل هناك إجماع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الإسرائيليّ بمُعارضة تحوّل إيران إلى دولةٍ نوويّة، لأنّ أحد أعمدة السياسة الإسرائيليّة منذ إقامتها على أنقاض الشعب الفلسطينيّ يقوم على منع الدول المُعادية من امتلاك أسلحة غير تقليديّة. ولم يبقَ أمام إسرائيل سوى ساحة الكونجرس كملعب وحيد للمواجهة، على أمل أنْ يساهم ذلك في عرقلة إقرار الاتفاق، كما قالت المصادر السياسيّة الإسرائيلية. وتقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طابور المنددين بالاتفاق، واصفاً إياه بـ«الخطأ التاريخي» وإنه سيبذل قصارى جهده «لعرقلة طموحات إيران النووية». وأضاف في بداية اجتماع مع وزير الخارجية الهولندي بيرت كوندرز الذي زار القدس المحتلة ورام الله في أواسط شهر يوليو 2015، «ستحصل إيران على مسار آمن ومؤكد نحو الأسلحة النووية. ستُرفع الكثير من القيود التي من المفترض أن تمنعها من الوصول إلى ذلك». وتابع نتنياهو «ستحصل إيران على الجائزة الكبرى. جائزة حجمها مئات المليارات من الدولارات ستمكنها من مواصلة متابعة عدوانها وإرهابها في المنطقة وفي العالم. هذا خطأ سيئ له أبعاد تاريخية». وشدد نتنياهو أمام الصحفيين على أن «إسرائيل غير ملزمة بهذا الاتفاق مع إيران، إسرائيل ليست ملزمة بهذا الاتفاق مع إيران، لأن إيران مازالت تسعى لتدميرنا»، مضيفاً: «سنواصل الدفاع عن أنفسنا». يجمع المحللون أن الشرق الأوسط ما قبل الاتفاق النووي، لن يكون كما بعده. وبين متفائل من الاتفاق، ومتشائم منه، ما هو مؤكد أن التسوية التاريخية التي حصلت في فيينا، ستتمخض عنها نتائج جيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وستمثل محطة محورية لإعادة رسم المشهد الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط على المدى المنظور، إن على المستوى الداخلي في هذا البلد أو ذاك، أو على مستوى العلاقات العابرة لـ«حدود سايكس – بيكو» التي تزداد هشاشة يوماً بعد يوم. هكذا يجزم كثيرون بأن الاتفاق النووي ستترتب عليه نتائج جيوسياسية أكثر أهمية بكثير من خطوات أخرى توازيه في الأهمية اتخذها باراك أوباما بعد بدء ولايته الرئاسية (الانسحاب من العراق) وفي وسطها (الانسحاب من أفغانستان) ومع بدء العد العكسي لنهايتها (الاتفاق التاريخي مع كوبا)، وهو ما يوحي بإعادة ترتيب للسياسات الخارجية قبل أن يتسلم خلفه، ديمقراطياً كان أم جمهورياً، مفاتيح البيت الأبيض بعد ما يقرب من العام ونصف العام. والواضح حتى الآن أن الاتفاق النووي يعني، من الناحية السياسية، اعترافاً مباشراً من قبل الولايات المتحدة بإيران كقوة إقليمية كبرى، ينبغي التنسيق معها في كل ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، وهو ما يمنح، بطبيعة الحال، هامش مناورة سياساً واسعاً للجمهورية الإسلامية في مقاربة الكثير من الملفات الملتهبة. وربما يكون الميدانان السوري والعراقي الاختبار التطبيقي الأول للتحوّلات السياسية المترتبة على الاتفاق النووي. وفضلا عن ذلك فإن القضايا الكبرى التي تواجهها المنطقة، بدءاً من الصراع العربي – الصهيوني، ومروراً بالأزمتين العراقية والسورية، وانتهاء بالتسوية التاريخية حول البرنامج النووي الإيراني التي تعطي إيران دورا إقليميا بارزا، تؤكد ليس فقط الارتباط الإقليمي البنيوي المستجد الذي أصبح يربط بين هذه القضايا، ولكن أيضاً امتداداتها السلبية سواء بشكل مباشر، أم عبر تفرعاتها وتجلياتها، خصوصا السياسية والأيديولوجية والطائفية، إلى داخل المجتمعات العربية نفسها.