14 سبتمبر 2025
تسجيلقال "الحركة وبقية الفصائل الفلسطينية تستمد قوتها من روحها القتالية، فليس لديهم دبابات أو طائرات، ومع ذلك فقد قاموا بتركيع دولة كاملة على ركبتيها، دولة كاملة هربت للملاجئ" هذا ليس قولا لخالد مشعل رئيس مكتب تنفيذي حماس؛ ولكنه كلام لما يسمى بـ"الحاخام الأكبر" لجيش الاحتلال الصهيوني سابقاً - أفيخاي رونتساكي – على حد تعبيره عشية قرار المجلس الوزاري الصهيوني المصغّر "الكابينيت" القاضي بوقف إطلاق النار في قطاع غزة يوم الثلاثاء 15/7 الماضي.ذلك يكشف حجم الغبن والخديعة والبؤس الذي تأسست عليه المبادرة المصرية التي تكتفي بمعادلة " التهدئة مقابل التهدئة " فوق أنها تحاول تجاهل حماس وتجاوز وجودها، وتجيير وتحويل إنجازاتها للسلطة.بعض المروجين لهذه المبادرة من كتاب ومحللين يحاولون أن يشنوا حربا معنوية فتكت بقلوبهم وعقولهم من قبل فراحوا يذكّرون المقاومة بقوة العدو وبطشه، وأن رفضها المبادرة سيعني أنها تتحمل المسؤولية عن كل دم يسفك بعدها، وبأن نتنياهو سيتلقى دعم ومباركة النظم الدافعة بالمبادرة بقدر ما تصير حماس في مرمى استهداف هذه النظم.. وأقول: أما أن النظم ستدعم نتنياهو فليس في ذلك جديد.. فهي تدعمه دائما، ولكنها هذه المرة أكثر افتضاحا - فقط - بما يعيد إشعال الثورة في قلوب وضمائر شعوبهم عليهم، بعد أن بردت وبدأت تأخذ مسارات طويلة.. ومن يدري فلعل ذلك من مكر الله تعالى بهم! أليست خيانة نظام حسني الساقط والنظم المتهتكة من حوله للمقاومة في عدوان 2008 هي التي هيأت للثورات؟ ومن قبل أليست خيانة القضية الفلسطينية في 1948 هي التي فجرت الانقلابات على نظم تلك الفترة؟ وإذن فهم يفعلون ما فعلوه دائما غير أنهم سيكونون هذه المرة مهددين بالافتضاح أكثر وأكثر. ثم إنهم لا منطق لهم؛ إذ يقدمون مبادرة دون أن يتشاوروا مع المقاومة باعتبارها المعني المباشر بها والذي يملك قرارها؟ ولا منطق لهم إذ يتحركون لوقف الحرب بعد أن تهتك نتنياهو ودولته واستنجد بمن هب ودب لإنقاذ سمعته وسمعة كيانه؛ بعد أن قتل أكثر من 200 حتى إعلان تلك المبادرة وجرح أكثر من 1500. أما الحقيقة فهي أن نتنياهو منهم وهم ومنه، وأنه كان يقوم بحربه وحربهم، وقد تولى هو الجانب الخاص به من المواجهة - غزة والضفة - وتولوا هم ما نراه في سيناء ومصر وليبيا وسوريا والعراق.. ولكن الله تعالى أحبط سعيهم وأطاش سهمهم وخيب أملهم، ففاجأتهم المقاومة بما لم يكونوا يتوقعونه، واكتشفوا أن تقديرات سيدهم - نتنياهو - لم تكن في محلها، وأن استمرارهم في الحرب سيعني المزيد من الكسب لحماس والمقاومة، والمزيد من الخسارة لهم وسيقلب معادلاتهم ومعادلات الكيان الصهيوني الذي بدأ يخسر على الصعيد الخارجي من حيث مكانته وهيبته في الإقليم وفي العالم، وعدم قدرة الاحتلال على ممارسة الردع، وعلى الصعيد الداخلي ما يتعلق بالانتخابات وثقل وأوزان التحالفات الحزبية. لذلك قرروا مع نتنياهو أن يوقفوا العدوان من محض مصالحهم هم وليس لمصلحة الشعب الفلسطيني؛ وثمة أسئلة: هل على المقاومة أن تواتيهم وتواتي (إسرائيل) معهم على ما يريدون وأن تقبل اعتباراتهم واحتياجاتهم ومصالحهم؟ وعندما واجهت المقاومة العدو والقصف والاستهداف هل كان هدفها الرجوع للتهدئة لتقبل الآن الرجوع إليها؟ وعندما أطلقت المقاومة طائراتها وصواريخها "البسيطة في ذاتها الفاتكة في معنويات عدوها" هل كانت تقصد أن تستعرض أسلحتها لتوقع عقود تصدير لأمريكا أو كوريا الجنوبية أو روسيا أو الصين مثلا؛ ليقولوا لها لقد فعلت وانتهى؟ وإذ يجيرون مكاسب الصمود وثمن الدم المسفوح لعباس هل لأن الرجل غبّر نعليه بحرب على أطراف غزة، أو كف - على الأقل لسانه عنها "مجرد كف لسانه"؟ لاشك أن حماس أبدعت في مواجهة العدو، ولاشك أن الشعب الفلسطيني أبدع معها في الصمود خارج نطاق محاولات الاحتواء والتدجين والتخويف ومحاولات فسخ ولائه عن المقاومة.. ولا شك أيضا أن لهذه الحرب وجها آخر وامتدادا آخر هو حرب ذيول الاحتلال في المنطقة الذين يحاولون التبرير للاحتلال منذ البداية وسيكثفون محاولاتهم بعد أن رفضت عروضهم البائسة.. ولكن محاولاتهم ستظل في الهامش البعيد وبمدى محدود، وستزيد افتضاحهم أكثر فأكثر. آخر القول: حربهم الأخيرة على المقاومة بدأت بالفعل، وهي حرب الزعامات المتحالفة مع العدو، ولهذه الحرب تحدياتها المختلفة، وربما سيحاولون في سياق ذلك العبث بتلاوين الإسلامي والعلماني واليميني واليساري كما فعلوا في أماكن أخرى.. ولكن إن صمدت المقاومة وانتصرت – وذلك كائن إن شاء الله وبمزيد من الصبر – فلن تكون إلا حربهم الأخيرة، "وما النصر إلا صبر ساعة".