12 سبتمبر 2025
تسجيلخلال لقائه مع الإعلاميين وصف الرئيس المصري نفسه بأنه في حالة حرب داخليا وخارجيا، ودعا المصريين إلى التكاتف من أجل تحقيق النصر في هذه الحرب. صحيح أنه لم يحدد بالضبط هذه الحرب ضد من، ولكنه خلال الفترة القصيرة التي تولى فيها، اتخذ مجموعة من القرارات التي تصور أنها تحقق له النصر في هذه الحرب. غير أن القرارات التي يراهن عليها النظام الجديد لا تبدو قادرة على أن تحقق استقرارا سياسيا أو اقتصاديا. ويبدو أن هذا أحد تداعيات عدم وجود برنامج واضح منذ البداية، فاللجوء إلى الحلول المستهلكة يوحي بغياب البدائل، واستبعاد الحوار المجتمعي حولها يوحي بأن أساليب النظام القديم قد عادت إلى صدارة المشهد من جديد.من هذه القرارات اللجوء لرفع الدعم عن الطاقة مع عدم توفير غطاء يحمي الفقراء من الانكشاف الاقتصادي، هذا الرهان يحمل في طياته بذور ثورة جياع محتملة، خاصة أن النظام لم يجتهد في البحث عن حلول موازية، تضمن للفقراء نوعا من التمييز الإيجابي، أو تظهر لهم نيته عدم تحميلهم الجانب الأكبر من فاتورة الإصلاح الاقتصادي. والأسوأ أنه يوحي أن أجندة العدالة الاجتماعية ليست ضمن أولوياته، فمازال الاستقطاب الاقتصادي هو سيد الموقف، حيث الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً. التعويل على المؤسسة العسكرية لدعم الاقتصاد المصري يبدو هو الآخر رهانا قاصرا، فالأساليب الاقتصادية للمؤسسة العسكرية لا يمكن استنساخها في أوجه الاقتصاد الأخرى، فالمؤسسة العسكرية تدير اقتصادا فوقيا، محميا من المنافسة، ومن ثم فإن الخبرة التي يمكن أن تقدمها للقطاعات الاقتصادية السوقية محدودة أو منعدمة. ومن ناحية ثانية فإن الرهان على استمرار هذه المؤسسة في أداء دور المنقذ الاقتصادي يحمل مخاطر كبيرة، فليس من المنطقي أن تتفرغ المصانع الحربية لإنتاج السلع الاستهلاكية لتوزيعها على محدودي الدخل، فهذه في النهاية ليست وظيفتها الطبيعية، وإذا كان من المتصور أن تقوم القوات المسلحة بهذا الدور في أوقات الطوارئ فمن غير المقبول أن يستمر هذا كدور أصيل لها في الأوضاع العادية.أما رهان النظام على أسلوب القبضة الأمنية لتحقيق الاستقرار الداخلي، فلا يتوقع أن يؤتي ثماره، فثمة جيل من الشباب لا يبدو راغبا في مبادلة الخنوع بالأمن كما كان الحال طوال فترة مبارك، والمشكلة الأكبر أن هذا الجيل لا يبدو أن لديه ما يخسره، ففي ظل تضاؤل طموحه الاقتصادي، وانكماش الحريات السياسية التي كان يتطلع إليها، يبدو الاستمرار في الحراك الرافض للقمع بديلا مفضلاً لديه. كما أن لجوء النظام إلى التنكيل بالمعارضين يشكل عودة لأساليب عفى عليها الزمن لتأكيد قوة الدولة، ليس عن طريق منافسة خصومها والتغلب عليهم، ولكن عن طريق التخلص منهم وإزاحتهم من المشهد السياسي بالتغييب في السجون والمعتقلات أو دفعهم للهجرة خارج البلاد، وبالمناسبة فإن هذا الأسلوب لم ينجح في الحالات التي طبق فيها، سواء عبر التاريخ (التجربة الناصرية)، أو عبر الجغرافيا (التجربة الجزائرية).وبنفس المنطق فإن الرهان على سياسة الإقصاء، وفقا لثنائية الشعبين، وعبر وصف قطاعات واسعة من المعارضين للنظام الحالي بأنهم جماعات مؤيدة للإرهاب، داعمة للعنف، تحمل مخططات ضد الدولة المصرية، يرسخ حالة الفرز الاجتماعي، ويدفع المخالفين إلى الاستمرار في التمرد والاحتجاج، والذي حتى لو لم يأخذ الشكل العنيف فإنه كفيل بتأبيد الوضع غير المستقر، خاصة أنه من المرشح أن ينضاف إلى القطاعات المستبعدة فصائل أخرى عمالية وطلابية من ذوي التطلعات السياسية والاقتصادية المجهضة. أما على المستوى الخارجي فإن رهان النظام على الدعم الخليجي لا يمثل هو الآخر رهانا معقولا، فهذه الأنظمة لن تستمر في دعم هذا النظام ما لم تتأكد أنها قادرة على أن تسترد منه بشكل أو بآخر مقابل ما تدفعه له. كما أن لهذه الأنظمة مشروطيتها السياسية الفجة، فمقابل قروضها الضخمة فإنها تريد استمرار سياسات الإقصاء، وعليه فإن أي محاولة للحوار سوف تعترض عليها هذه الأنظمة، ما يعني أنها ستصبح شريكا في صناعة القرار المصري الداخلي. من ناحية أخرى فإن هذه الأنظمة يناسبها أكثر استمرار أسلوب الاقتصاد الدولتي، القائم على إرساء المشروعات بالأمر المباشر، وهو ما يعطي لشركاتها الأفضلية في تنفيذ المشاريع الضخمة، ومن ثم فإن استمرار مساعداتها مرتبط بغياب المنافسة الاقتصادية كما هو مرتبط باستمرار الإقصاء السياسي.الرهان على الدعم الدولي يبدو هو الآخر غير مضمون، فالأمريكان يدركون خطورة الاستمرار في دعم نظام لا يحظى بالتأييد الشعبي الكافي، كما أنهم لا يريدون تكرار غلطتهم مع مبارك، من خلال منح دعم غير مشروط لنظام كل فضيلته أنه يفرض الاستقرار بالقوة. فهذه الصيغة لم تنجح وقت مبارك، وكادت المصالح الأمريكية أن تصبح في مهب الريح، لولا أن من تولى الحكم في أعقاب ثورة يناير جماعة إصلاحية حافظت على التوجهات التقليدية مع واشنطن. من ناحية أخرى فإن الرهان على استمرار المعونة العسكرية الأمريكية يمكن أن يشهد مفاجآت في المستقبل، فالعلاقات الوطيدة بين النظام الحالي وإسرائيل تجعل المساعدات العسكرية غير ذات معنى، وقد لاحظ أحد الباحثين من مركز كارنيجي أن التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل قد ازداد بصورة كبيرة منذ تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية بصورة جزئية في صيف العام 2013، وهو ما قد يقنع الأمريكيين أن المصالح الأمنية للنظام الحالي هي التي تقف وراء تعاونه مع إسرائيل وليس الحصول على المساعدة الأمريكية، ولهذا ربما يطالب الكونجرس في المستقبل القريب جدا إما بتخفيض المساعدات أو توجيهها إلى مناحٍ أخرى.وفي ظل هذا الرهانات القاصرة يظل النظام بعيدا عن حلم تحقيق الاستقرار اللازم لجذب الاستثمارات الأجنبية وتنشيط السياحة، وهما المصدران اللذان كان من الوارد التعويل عليهما بشكل أكبر قبل 3 يوليو، الأمر الذي يفرض عليه الانغماس أكثر في سيناريو قمع المعارضة (الإسلامية والعلمانية على حد سواء)، أملا في القضاء عليها، ومن ثم إقناع الخارج باستتباب الأوضاع داخلياً. هذه هي طبيعة الحرب التي تحدث عنها النظام، وهذه أسباب عدم إمكانية تحقيقه النصر فيها.