14 سبتمبر 2025
تسجيللا يزال الحديث موصولا حول معالم الثورة عند النبي -صلى الله عليه وسلم، تلك الثورة التي كانت على الطغيان لتحرير الإنسان، واليوم نواصل استنباط هذه المعالم من خلال السنة النبوية الشريفة. وملمح اليوم الذي نتعرض له، هو أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان في ثورته على الباطل يبدأ بالحجة والإقناع، وهذا منهج اتخذه النبي في الثورة على نفوس الأفراد التي تضمر الشر للناس، والثورة على الجماعات التي بات الشر منتشرا ومتفشيا فيهم. فأما الأول، فإن النبي –-صلى الله عليه وسلم عندما جاءه الشاب ثائرا هائجا يريد أن يرخص له النبي في الزنا، فإن النبي قابل هذه الثورة الباطلة والشهوة الجامحة بالحجة والإقناع، ليخمد نيران هذه الثورة وليقيم ثورة أخرى نظيفة قوامها أن كل إنسان في الحياة له حقوق تقابلها واجبات، وكما أنه لا يرضى بأن يعتدى على حقوقه فإنه ينبغي أن يحافظ على حقوق الآخرين. ولنتأمل هذا الحوار النبوي الذي أورده الإمام أحمد في مسنده أن رجلا أتى رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي قال له أسلم، قال الرجل: أسلم يا رسول الله؟! ولكن أشترط شرطاً -وضوح وصراحة- قال: ما هو؟ قال: أن تبيح لي الزنا، فإني لا أستطيع أن أصبر، فقام الصحابة يريدون أن يبطحوه أرضاً، قال: دعوه، ثم قربه ووضع يده -الحبيبة اللطيفة الشريفة- على صدر هذا الرجل، قال: أترضى الزنا لأمك؟ قال: لا. قال: أترضاه لأختك؟ قال: لا. قال: أترضاه لابنتك؟ قال: لا. قال: أترضاه لعمتك؟ قال: لا. قال: أترضاه لخالتك؟ قال: لا. قال: أفترضى للناس مالا ترضاه لنفسك! قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، أتوب إلى الله حتى من الزنا. لقد ثار الصحابة وثار الرجل، والصحابة ثاروا غيرة وحمية وهم ثائرون على الباطل، ولكن هذه الثورة غير مناسبة وسلبياتها أكثر من إيجابياتها، أما الرسول فإنه ثار بالحجة والإقناع، حتى هدأت نفس الرجل، وذهب عنها ما بها، وتاب وأناب إلى الله. أما الحجة والإقناع كوسيلة ثورية اتخذها النبي في إقناع الجماعات فإننا نلمحها في مواقف كثيرة، منها ساعة إعلان نبوته على قريش، اعتمد على رصيده من الصدق والأمانة والسيرة الحسنة بين قومه، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما نزلت هذه الآية (وأنذر عشيرتك الاقربين) ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى صعد الصفا فهتف واصباحاه! فقالوا من هذا الذى يهتف؟ قالوا محمد قال فاجتمعوا إليه، فقال يا بنى فلان يا بنى فلان يا بنى عبد مناف يا بنى عبد المطلب أرأيتكم لو اخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا ما جربنا عليك كذبا، قال فإني نذير لكم بين يدى عذاب شديد، قال فقال أبو لهب تبا لك ما جمعتنا إلا لهذا ثم قام فنزلت هذه الآية (تبت يدا أبى له) رواه البخاري في الصحيح. فحجة النبي وإقناعه لهؤلاء القوم الذين ثار عليهم أن له رصيدا من الثقة كان من المفترض أن يعتمدوا عليه ويتخلوا عما هم فيه من المعصية والفجور، ولكنهم قابلوا هذه الدعوةبمثل ما فعله أبو لهب؛ ليعلنوا من بعدها الحرب على هذه الثورة النبوية، ولكن هيهيات فقد أذن الله بالدعوة ووعد بأن ينتصر الدين ولو كره الكافرون. والحديث موصول إن شاء الله