13 سبتمبر 2025

تسجيل

هل آن الأوان للبحث عن ربط للريال بسلة عملات؟

17 يوليو 2011

تراكم الديون العامة العالمية إلى أكثر من 14 تريليون دولارارتفع سعر أونصة الذهب في الأسبوع الماضي وسجل مستويات قياسية لم يبلغها من قبل وبات قريباً جداً من مستوى 1600 دولار للأونصة، بعد أن أنهى الأسابيع السابقة في عملية تصحيح لم تهبط به كثيراً، وإنما أخذته إلى مسافة مائة دولار من مستواه القياسي السابق -أي إلى 1460 دولارا- ثم ها هو يعود بالأمس بقوة إلى مستوى 1592 دولارا. وقد كنت قد كتبت قبل فترة وجيزة لا تزيد على شهرين مقالاً عن الذهب توقعت فيه وصول سعر الأونصة إلى 1750 دولارا هذا العام، واستناداً إلى تحليلات مفادها أن الاقتصاد الأمريكي الذي هو قاطرة الاقتصاد العالمي يعاني من أزمات عديدة لعل في مقدمتها العجز المزمن في الموازنة العامة، وتراكم الديون العامة إلى أكثر من 14 تريليون دولار، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وعودة معدل التضخم إلى مستوى 9.2%. وهذه المعطيات قد أصابت الدولار فأوجعته وجعلته غير قادر على البقاء في الساحة كعملة الاحتياط الدولي الرئيسية. ولأن الأسباب المؤدية إلى هذا الوضع باقية ولم تتغير حتى الآن وتتمثل في انغماس الولايات المتحدة في حروب عديدة، لذا فإن استمرار التراجع في المعطيات الأمريكية أمر وارد لا مفر منه، ولن تشفع لها قوتها العسكرية في فرض هيمنتها الاقتصادية على العالم بمثل ما فشلت في إدارة حروب مع دول العالم الثالث كأفغانستان والعراق. ويجادل البعض بأن الاقتصاد الأمريكي قوي ولن يتصدع مستدلين على ذلك بحجم ناتجه القومي الضخم الذي يفوق اقتصاد منطقة اليورو، وبأن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ما زالت معقولة. وهذا الكلام مردود عليه بأن الناتج مقوم بدولار عام 2011 الذي هو ضعيف ولم يعد يساوي شيئاً يذكر إذا ما قيس بالذهب أو النفط، فشتان ما بين دولار نيكسون حتى يوليو عام 1971 الذي كان سعر الذهب مقوماً به يعادل 35 دولاراً للأونصة وسعر برميل النفط لا يتجاوز 3 دولارات. أي أن قيمته الحقيقية قد تراجعت بنحو 38 مرة على الأقل.وقد حدث أن تعرض سعر الدولار في الأسبوع الماضي إلى هزة جديدة من جراء تهديد إحدى مؤسسات التقييم المالي العالمية بخفض تقييم الاقتصاد الأمريكي والسندات الأمريكية عن الدرجة الأولى الممتازة. وفي تقديري أن هذا الأمر قادم لا محالة، ولهذا سارع المستثمرون الكبار إلى التوجه إلى استثمارات بديلة بدلاً من الاعتماد الكبير على السندات الأمريكية والودائع بالدولار، خاصة أن العائد على تلك الودائع متدن جداً ولا يكاد يفعل شيئاً في ظل ارتفاع في تكلفة المعيشة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود والسلع.وكما ذكرت في مقالي السابق، فإن سعر صرف الدولار لن ينخفض كثيراً أمام العملات الرئيسية الأخرى لأن لكل عملة مشاكلها الأخرى التي تضغط عليها؛ فأزمة الديون السيادية عادت لتطل هذا الأسبوع من البوابة الإيطالية، فضلاً عن اليونانية والأيرلندية، والاقتصاد الياباني لا يزال يعاني من الزلزال المدمر الذي أصاب اليابان في بداية هذا العام. ومن هنا وجدنا أن سعر صرف الدولار قد انخفض بالكاد أمام الين إلى مستوى 79 ينا، وإن كان هذا هو أقل سعر للدولار مقابل الين منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك في الوقت الذي انخفض فيه سعر اليورو مقابل الدولار إلى 1.4150 دولار نتيجة الوضع المالي السيئ في منطقة اليورو.وإذن فنحن الآن منكشفون على فترة يستمر فيها تراجع الدولار بقوة أمام الذهب والنفط والسلع الأخرى، وبدرجة أقل أمام اليورو والين. وقد لا تجد دول الفائض الكبير كالصين والسعودية ودول أخرى بُداً من رفع قيمة عملاتها مقابل الدولار باعتبار أن التمسك بسعر ثابت أمام دولار هزيل هو أمر غير محمود كلياً لأن مساوئه تفوق مزاياه التي تتمثل في الإبقاء على القدرة التنافسية لصادراتها. ومن تلك المساوئ ارتفاع تكاليف وارداتها، وارتفاع معدل التضخم فيها –كما هي المشكلة الآن في الصين- فضلاً عن أن القيمة الحقيقية لاستثماراتها الخارجية تتعرض للتآكل.وعلى ضوء ما تقدم نجد أن أسعار السلع سوف تستمر في الارتفاع كنتيجة منطقية لضعف الدولار وعدم وجود بدائل قوية للانتقال إليها. ومن ناحية أخرى أرى أنه لا بد من التفكير جدياً في تخلي دول مجلس التعاون عن ربط عملاتها القائمة-والموحدة مستقبلاً- بالدولار، رغم التسليم بأن دون ذلك محاذير سياسية. ومع ذلك فالأمر ممكن بدليل أن الكويت فعلت وتفعل ذلك. وقد لا يكون المطلوب حاداً وقوياً بل متدرجاً لتحاشي تأثيراته السياسية، بمعنى أن يتم إقرار الربط بسلة عملات يكون الدولار فيها المكون الأكبر، كما في الكويت، ثم يكون للسلطات النقدية الحق في تعديل نسب مكوناته على ضوء ما يستجد من تطورات. وأحسب أن خطوة في هذا الاتجاه تبدو ضرورية الآن وذلك خير من أن نبحث عن حلول لمعالجة أزمات باتت تطل برأسها. وقد أعود للحديث في هذا الموضوع في مقال آخر إن شاء الله.ويظل ما كتب رأيا شخصيا يحتمل الصواب والخطأ، والله سبحانه أجل وأعلم.