13 سبتمبر 2025
تسجيلللحضارة الإنسانية مظاهر متعددة، ومقاييس متنوعة؛ تُعرف بها درجات الدول وأخلاق الشعوب، ويتم تقييمها على أساسها. ولا يستطيع منصف؛ يعرف معنى الرقي الإنساني؛ إلا ويقف احتراما لدولة قطر، التي تمثل الإنسانية العربية الأصيلة في قمة عطائها. إن التعامل الإنساني الرحيم الراقي هو أهم تلك المظاهر، وأوضح تلك المقاييس؛ فالشعور بالآخرين وتلبية احتياجاتهم ومساعدتهم في طريق معاشهم من أهم نتائج شكر الله المنعم بحسن استعمال النعمة. وقد أنعم الله على دولة قطر بالكثير من نعمه والوفير من عطاياه، وأوجد منهم رجالا ـ قيادة وشعبا ـ يقومون بواجب الشكر وجميل العطاء مستجيبين لوعد الله بالمزيد، قال تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} (آية 7. إبراهيم) فزادهم الله من نعمه وفضله، وجعلهم أهلا للحب، وأطلق ألسنة الناس بالثناء عليهم، وتلك من البشريات الجميلة، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر قال: قيل: يا رسول الله: «أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن». ومن حقهم علينا أن نشكرهم على ما قدموا ويقدمون من خير وبر، ويوضح لنا هذا الحديث المرفوع الذي رواه الإمامان أحمد ومسلم: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس». ولن نستطيع مكافأتهم إلا بالدعاء لهم. في بداية تأسيسها كلفتني جريدة (شباب مصر) بملف يخص العمالة المصرية والكفالة، والعلاقة بين الكفيل في دول الخليج العربي، فقمت بنشر الموضوع بعد بحثه من جوانب عدة، وكنت أثناء البحث مع الأشخاص أسمع أقاويل، وحكايات بين العمال والكفلاء، منها ما يمثل قمة النبل الإنساني، ومنها ما لا يريح الضمير ولا يسر الخاطر. أكتب هذا بمناسبة حوار دار بيني وبين البعض على الشبكة العنكبوتية امتدحت فيه أخلاق القطريين وحسن معاملتهم للعمالة عامة والمصريين خاصة دون مجاملة أو محاباة، وإنما هو واقع عاشه بعض أهلي ومعارفي ـ والله على ما أقول وكيل ـ والشهادة لله ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، وسأشير إلى بعض الجوانب الإنسانية التي حدثت واقعا، بعض أصحابها أحياء وبعضهم قد رحل عن عالمنا. نماذج مشرفة في منطقة العامرية عمل في مزارعها أربعة أشخاص أعرفهم جيدا ـ وهم الآن أجداد ـ ولا زال لبعضهم الجيل الثاني هناك وما سمعته منهم يعد من أهم المعاملات التي تشرف القيم الإنسانية بحق، ويعلم الله أن أحد الكفلاء لا زال يرسل في المناسبات الدينية مبالغ لعامله رغم انقطاع العامل منذ سنوات، وأقربها في رمضان الماضي، بل أرسل عن طريقه لبعض المرضى مواساة لهم. ـ أحد الأطباء العلماء القطريين تعاقد مع معلم لغة إنجليزية قريب لي؛ لتعليم أولاده أو أحدهم وكان الطبيب الكفيل مثالا في الخلق الطيب معه ـ وكما حكى لي المعلم ـ أن كفيله كان يسرد على ولده كثرة من فضائل المعلمين المصريين، وأنهم أفادوه وغيره بالكثير من العلم والخلق. ـ وأقرب ما حدث أن معلمة من قريتنا كانت تعمل في مدرسة خاصة وحدث أن المدرسة تم حلها، ونظرا لأن المعلمة كانت لديها مشاكل أسرية وعليها أقساط وشرحت ظروفها لصاحبة العمل وعرفتها بأن رجوعها إلى مصر وإنهاء عملها سيسبب لها الكثير من المتاعب، فما كان من صاحبة المدرسة إلا أن ساعدتها في الحصول على عمل في مدرسة أخرى، ولا زالت تعمل إلى الآن وبراتب كبير. ـ أخبرني أحد أحبابي وهو مقاول تشطيبات ما بعد البناء اختلف مع المقاول القطري ووصل الأمر إلى شكوى في الشرطة واستدعت الشرطة الاثنين وخرجا من المخفر راضين بعد حصول كل منهما على حقه من الآخر، وأقسم لي أنه لم يجد فرقا في تعامل الشرطة بينه وبين صاحبه القطري. وللإنصاف، أقول: تمثل دولة قطر أفضل دولة عربية واقعا مشهودا ومُعاشا في التعامل مع المغتربين؛ سعيا على الرزق، وهذا ما لمسناه في أكثر من صورة إنسانية سمعناها من العاملين هناك ومن باب ما جاء في الحديث الصحيح: (لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ) رأيت أن أكتب ما يمليه الضمير ويفرضه الواجب نحو أشقائنا في دولة قطر.