13 سبتمبر 2025
تسجيللا تزال تونس تعيش في ظل الجدل القائم حول الشخصية ذات الكفاءة التي يتعين على رئيس الجمهورية السيد الباجي قائد السيبسي اختيارها لتولي رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، ورفض معظم الفعاليات السياسية تصريحات حركة النهضة في الأيام الأخيرة ضرورة تمثيل الحركة بالنصيب الأكبر من الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية ،وأحقيتها باقتراح رئيسها المقبل ، ما أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية سواء داخل الائتلاف أو أحزاب المعارضة، لجهة رفض رغبة النهضة في «التغول» من جديد بعيدا عن القطع مع سياسة المحاصصات التي كانت سبب الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها البلاد ،في وقت يقتضي طي صفحة اقتسام «الغنائم» والانتهازية وتغليب المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية. علماً أن مبادرة رئيس الجمهورية تستهدف توسيع قاعدة الحُكْمِ الحزبية وإشراك المنظمات الوطنية الكبرى ،غير أن كلّ المؤشّرات تؤكّد على أنّ النتيجة ستكون بعَكْسِ النوايا المعلنة ،وقد تؤول «حكومة الوحدة الوطنية» إلى تحالفٍ يقتصر على «نهضة» قوية بكتلة برلمانية متناسقة ومتماسكة ،و«نداء تونس» مفكّك الأوصال بـ «جُزُرٍ» برلمانية لا رابط تنظيميا أو سياسيا بينها سوى ذلك السّعي المحموم إلى احتلال مواقع المسؤولية. وكان قصر قرطاج شهد مؤخراًاجتماعاً جمع منظمات وطنية وأحزابا سياسية ،وخُصص للمشاورات حول حكومة الوحدة الوطنية،وحسب المداولات المتسربة من القصر الجمهوري، فإن الاتجاه العام يسير نحو تغيير رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد بشخصية أخرى، كما تم الإتفاق حول بقاء 4 وزراء من الحكومة الحالية حيث لن يشملهم التغيير، وهم وزير العدل عمر منصور، ووزير التربية ناجي جلول ،ووزير الخارجية خميس الجهيناوي ،ووزير الشؤون المحليّة يوسف الشاهد.وقال رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، عقب الانتهاء من الاجتماع، إنه تمّ قطع خطوة لا بأس بها في مشاورات تكوين الحكومة المذكورة، وأن هناك خارطة طريق ممكنة في هذا الشأن موضحاً أن المشاورات الجارية مع مختلف الأطراف تهدف إلى ضبط الأولويات وبلورة الإطار الحقيقي الذي يمكن أن تلتقي فيه مختلف الجهات. في نظر العارفين بالشأن السياسي التونسي ،كانت كلّ الدلائل تُشيرُ إلى أنّ «مبادرة حكومة الوحدة الوطنية» تَحْمِلُ شروط إجهاضها ، لأنها مبادرة من دون محتوى سياسي وبرامجي جديد وواضح المعالم، إذ اكتفت في هذا الخصوص بتعداد أهداف يتّفق من حيث المبدإ جميع الطّيْف السياسي على أهمّيتها ولكنٌهم يختلفون راديكاليا في بعض الأحيان حول سُبُلِ تحقيقها . تونس بحاجة ماسة إلى حكومة وحدة وطنية، تتبنى استراتجية وطنية واضحة لمكافحة الفساد، إذ يحتل الفساد ومكافحته، موقعاً مهماً في تحقيق الإصلاح الديمقراطي الذي ينتظره الشعب التونسي ، ذلك أن الفساد يعتبر من المعوقات الأساسية التي تقف في وجه معالجة الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، منذ سقوط رأس النظام الديكتاتوري السابق، إضافة أنه تحول إلى الحليف الاستراتيجي للإرهاب. ونظرا لأن السلطة الحاكمة في تونس تمثل مصالح الطبقة السياسية والاقتصادية الرأسمالية الطفيلية الفاسدة،حيث توجد علاقة بين السلطة و الثروة يشكل الفساد قاسمهما المشترك، فإن هؤلاء جميعاً يشكلون في الوقت الحاضر سدّاً منيعاً في وجه تحقيق الأهداف الاستراتيجية للثورة الديمقراطية التونسية .و بما أن الفساد أصبح مستوطنا في كل مفاصل الدولة،فقد أصبح المعرقل الرئيس للاستثمار، و المعوق للتنمية، و المقوض للشرعية السياسية. و أصبح من نافلة القول أن المستثمر التونسي، أو العربي، أو الأجنبي (النظيف)، يتهيب من الاستثمار في تونس، بسبب انتشار الفساد أولا، وتخلف قوانين البيروقراطية التونسية ثانيا، والتقارير السلبية الصادرة عن منظمات الشفافية الدولية ذات المصداقية، التي أصبحت تصنف تونس رابعا في قائمة البلدان الأكثر فساداً على صعيد عالمي .إضافة إلى ذلك،تكمن خطورة الفساد السياسية و الاقتصادية، ليس إلى إضعاف الحكومة تجاه الداخل فقط، و إنما إلى إضعافها تجاه الخارج ، وتحديدا تجاه المؤسسات الدولية المانحة ، وشركاء تونس الاقتصاديين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. انتظارات الشعب التونسي ، كانت ولاتزال ، تكمن في تحقيق العدالة الاجتماعية ،أي عدالة توزيع الدخل و الثروة،بوصف العدالة في تجلياتها الفلسفية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، تعتبر حجر الزاوية في بلورة أي منوال تنمية جديد سياسي ـ اقتصادي ـ اجتماعي، يرتبط بواقع ومستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع، وبينه وبين المجتمعات الأخرى. فإذا استمرت حكومة الوحدة الوطنية في انتهاج نفس الخيارات الاقتصادية و الاجتماعية، أي تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي الهيكلي الموصى بها من جانب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ،بموجب (تسوية واشنطن) وجوهرها الإندماج في العولمة الليبرالية الاقتصادية الجديدة، التي فشلت أيضاً في تحقيق الإصلاح الاقتصادي المنشود في العديد من بلدان العالم ، فإن تونس لم تحصد من الليبرالية الجديدة المعولمة سوى البطالة والفقر والفساد مما هدّد، ويهدّد، السلم الاجتماعي الذي كان البؤرة (إلى جانب عوامل أخرى) التي ولدّت حركات الاحتجاج التي اجتاحت البلاد في نهاية 2010 وتوجت بثورة 14 يناير 2011،منذ أكثر من خمس سنوات، ولاتزال الاحتجاجات مستمرة . إن حكومة الوحدة الوطنية القادرة على إنقاذ تونس من الكارثة و الإفلاس المالي، هي تلك الحكومة التي تتبنى خيارًا اقتصاديًا جديدًا مناسباً، لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، وهو الذي يعيد الاعتبار للدولة التنموية، ويجمع بين آليات السوق وتدخل الدولة في تكامل وتناسق يؤمنه نظام سياسي ديمقراطي يقوم على الحرية واحترام حقوق الإنسان، ويضمن تحقيق العدالة الاجتماعية ،والنمو الاقتصادي ،وتحسين مستوى المعيشة للسكان، ويدعم الإنتاج الصناعي والزراعي ،ويشجع التصدير، ويهتم بالتعليم والبحث العلمي ونقل التكنولوجيا وتوطينها ،وبناء اقتصاد قوي وتنافسي وبناء علاقات تعاون وتعامل مع الخارج، انطلاقاً من مراعاة المصالح الوطنية، لا من خلال التفريط في السيادة الوطنية كماهو سائد الآن في تونس.