13 سبتمبر 2025

تسجيل

المسلمون والسياسة الأمريكية

17 يونيو 2015

على مدى أجيال متتابعة تواجد المسلمون بكثافة على أرض الولايات المتحدة، غير أنهم كانوا دوما على هامش الواقع السياسي بها. ففي وقت مبكر (تحديدا خلال القرن السابع عشر)، تم جلب أعداد كبيرة من الأفارقة المسلمين إلى الأمريكتين، وبحكم كونهم استقدموا كعبيد فإنهم لم يمارسوا أي تأثير على الحياة السياسية. ولكن حتى عندما بدأت الهجرة الطوعية من العالم الإسلامي إلى أمريكا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يتغير الأمر كثيرا.حاليا يمثل المسلمون واحدة من الأقليات الأسرع نموا في المجتمع الأمريكي، وتتراوح أعدادهم بين 1.4 مليون (0.6 في المئة من إجمالي السكان) إلى 6 ملايين (حوالي 2 في المئة من السكان). والسبب في هذا التفاوت الكبير في التقديرات أن جهاز الإحصاء الأمريكي لا يجمع بيانات عن الانتماء الديني، ولذا فإن فمن الصعب تحديد عدد مسلمي الولايات المتحدة بشكل دقيق. وقد قدرت دراسة أجراها مركز "بيو" للأبحاث عام 2007، أن أعداد المسلمين في الولايات المتحدة لا تقل عن أعداد اليهود.ولا يمكن تصنيف المسلمين الأمريكيين وفقا لمعتقداتهم السياسية على نحو قاطع، فرغم أن أعدادا كبيرة من المسلمين يفضلون نمط حكومة الخدمات العامة، وهو ما يتسق مع الخط الديمقراطي، فإن نسبة كبيرة من هؤلاء تعارض الحزب الديمقراطي في دفاعه عن حقوق المثليين وعن الإجهاض.من ناحية أخرى لم يعد من اليسير أن يصنف المسلمون الأمريكيون أنفسهم في خانة الجمهوريين، وخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر، والتي انعكست بالسلب على معظمهم. حتى أن الكتلة التصويتية المسلمة التي دعمت جورج بوش الابن في الانتخابات الرئاسية للعام 2000، تحولت لصالح جون كيري في انتخابات عام 2004. وكان القلق والخوف على الحرية الشخصية في إطار سيناريو "الحرب على الإرهاب" الذي تبناه الجمهوريون السبب الأساسي وراء هذا التحول، حيث وقع العديد من المسلمين تحت وطأة التنميط والتمييز على يد الإدارة الجمهورية. وقد تأثرت قدرة الأمريكيين المسلمين على المشاركة السياسية بمجموعة متنوعة من العوامل، أبرزها غلبة الانقسامات العرقية واللغوية والطائفية. ولهذا لم يكن الصوت الإسلامي واضحا حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، عندما تشكلت مجموعة من المنظمات غير الحكومية الإسلامية، أبرزها اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز (تأسست سنة 1980). والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (تأسست في 1982) والتي هدفت إلى التقليل من شأن العوامل السابقة وإعداد جيل من القادة المسلمين في مجالات القانون والإعلام والسياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.وقد أسهمت هذه المنظمات في زيادة الوعي السياسي، حتى أصبحت الغالبية العظمى من المسلمين الأمريكيين مقتنعة بأهمية المشاركة السياسية، ولم تعد ترى تناقضا بين كون المرء مسلما وكونه منخرطا في الشأن العام. وتشمل المشاركة السياسية للمسلمين التصويت في الانتخابات، والمساهمة في الجمعيات الأهلية، ودعم المرشحين السياسيين، والكتابة إلى وسائل الإعلام أو المسؤولين، وحضور الاجتماعات الجماهيرية، والانضمام للأحزاب. وقد أفاد مسح إحصائي أجري في عام 2004 أن نسبة المشاركة السياسية بين المسلمين أعلى إذا ما قورنت ببقية السكان. فوفقا لهذه الدراسة، صوت 61 في المئة من المسلمين الأمريكيين في انتخابات عام 2000، مقارنة بحوالي 50 في المئة من عموم الأمريكيين في سن التصويت.ويعد المسلمون من أصول إفريقية هم أول من نشطوا في مجال المشاركة السياسية، ففي عام 1991 أصبح الإمام سراج وهاج (من أصول إفريقية) شخصية أمريكية عامة بعد أن قاد حملة وطنية لمكافحة الإدمان أتت بنتائج غير مسبوقة، وفي العام 2006 أصبح الأمريكي الأسود كيث إليسون أول مسلم ينتخب للكونجرس عن الحزب الديمقراطي (عن ولاية مينسوتا)، أعقب ذلك انتخاب عضو ثان، أيضا من أصول إفريقية، وأيضا عن الحزب الديمقراطي وهو أندريه كارسون (عن ولاية إنديانا). كما أن هناك العديد من القضاة الأمريكيين المسلمين من ذوي الأصول الإفريقية. وكان القاضي الأسود آدم شكور في ديترويت أول مسلم يشغل منصب نائب رئيس بلدية على مستوى الولايات المتحدة. كما كانت شيلا عبد السلام ذات الأصول الإفريقية أول قاضية مسلمة في المحكمة العليا في ولاية نيويورك.وكان العامل الأساسي وراء النمو في عدد ونشاط المنظمات الإسلامية هو محاولتها مقاومة الصورة السلبية التي تقدمها وسائل الإعلام الأمريكية عن الإسلام والمسلمين، والتي تربط على نحو متعسف بينهم وبين الإرهاب، وقد أدت هذه الجهود إلى تعزيز الشعور بالهوية المشتركة لدى المسلمين، ما ساعد الائتلافات الأمريكية المسلمة على توسيع أهدافها وتشجيع المسلمين على الانخراط في ممارسة الضغط السياسي. الأمر المؤسف أن العديد من هذه المنظمات مارست دورها السياسي بقليل من الخبرة، حتى أنها عملت في العام 2000 على تعبئة "الصوت الإسلامي" لصالح دعم المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش في الانتخابات الرئاسية، معتبرة أنه الأكثر إنصافا فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، إذا ما قورن بالمرشحين الديمقراطيين آل جور ورفيقه جو ليبرمان، وهو الأمر الذي ترتبت عليه نتائج كارثية بالنسبة للمسلمين في أمريكا وفي أنحاء العالم.وقد تحولت العديد من المنظمات الإسلامية عن دعم الجمهوريين لصالح دعم الحزب الديمقراطي منذ هذه الخبرة السلبية. ومؤخرا قدرت أعداد المسلمين المؤيدين للحزب الديمقراطي بما يقرب من ثلثي المسلمين الأمريكيين. ولكنهم بفعل هذا الاصطفاف يجدون أنفسهم لا إراديا في نفس المربع الذي يقف فيه اليهود الأرثوذكس والبروتستانت الإنجيليون والكاثوليك الذين لا يحملون مشاعر إيجابية تجاه الوجود المسلم في الولايات المتحدة بشكل عام. المرجع الأساسي: The Princeton Encyclopedia of American Political History