11 سبتمبر 2025
تسجيللست أدري كيف سيكون الوضع في العراق عندما يُنشر هذا المقال، فالأحداث هناك تبدو متسارعة ومن الصعوبة التكهن بما ستؤول إليه، غير أن المرجح عندي أنها ستكون كارثية إلا أن يتدارك الله العراقيين برحمته. بدأت أحداث العراق بسقوط الموصل (ثالث أكبر مدن العراق)، وقيل وقتها: إن دولة الإسلام في العراق والشام هي من تولت إسقاطها!! ثم توالت الأخبار عن هروب جماعي للجيش العراقي، تاركين أسلحتهم، الخفيف منها والثقيل، غنائم لجيش الدولة الإسلامية!! وتسارع تقدم (الثوار)، فقتلوا وأسروا وفتحوا المعتقلات التي كانت تضم آلاف السجناء والسجينات من أبناء السنة وأطلقوهم، وتقدموا نحو بغداد بغية استردادها من المالكي، وتواترت الأخبار عن سقوط معسكر التاجي وهو مفتاح مدينة بغداد كما ذكرت قناة الـ(abc)، وهناك أخبار أخرى كثيرة ومتتالية حول الوضع في العراق عامة وفي بغداد على وجه الخصوص، وستستمر كذلك مادامت الأحداث قائمة فيها. هذه الأحداث تستدعي أسئلة كثيرة: هل حقيقة أن دولة الإسلام هي وراء تلك الأحداث أم أنها جزء منها؟ ثم ما هي الأسباب الحقيقية وراء انهيار الجيش العراقي بتلك الطريقة المزرية التي جعلت طاغية العراق (المالكي) يتبرأ من جيشه ويدعو لتكوين ميليشيات للدفاع عن العراق؟! ولم يكتف بتلك الدعوة المزرية لكنه - وبطريقة أسوأ - طالب سادته الأمريكان بتقديم العون العاجل له للقضاء على الإرهابيين - حسب زعمه!! في ظني أن الذين قاموا بهذه الثورة هم سنة العراق الذين أذاقهم المالكي الويل والظلم والاضطهاد والتهميش طيلة فترة حكمه، ولا أشك أن عناصر من دولة الإسلام كانت مشاركة بشكل فعال في هذه الحرب، لكنهم كانوا تحت قيادة الثوار، لكن المالكي ومن معه وكذلك الإعلام الذي يناصره لم يتحدثوا عن الثوار الذين هم أساس الثورة، لكنهم قصروا حديثهم عن دولة الإسلام لكي يقولوا: إن الحرب هي بين داعش الإرهابية وبين العراقيين!! وهذا يعطيهم الحق في طلب النصرة من الخارج باعتبار أن الإرهاب ظاهرة عالمية وستطال الجميع!!المالكي ومنذ حكمه للعراق وهو يمارس الإرهاب ضد السنة، كما يمارس عليهم حربا طائفية بغيضة؛ ولم يكتف بهذا كله، لكنه بدأ يقصف مدنهم بالبراميل المتفجرة على غرار ما يقوم به مثيله طاغية الشام بشار الأسد، وقد قلت مرارا: إن هذه الطائفية والتمييز والقتل والملاحقة ستجعل كل عراقي سنيا (داعشيا)، فالإنسان لا يمكنه تحمل الظلم والاستبداد زمنا طويلا مهما كانت النتائج، ولكن المالكي أعماه غروره ووقوف إيران وأمريكا إلى جانبه، فلم يتوقف عن استبداده، فوصلت الأمور في العراق إلى ما وصلت إليه حاليا.تحرك الثوار نحو بغداد جعل إيران تخرج عن طورها، فالسيد حسن روحاني أكد للمالكي أن بلده لن تسمح بزعزعة الاستقرار في العراق!! وأكدت بعض الصحف الأمريكية أن إيران أرسلت فرقا من الحرس الثوري إلى بغداد بحجة حمايتها!!، والرئيس الأمريكي هو الآخر عقد مؤتمرا صحفيا في البيت الأبيض قال فيه: إن داعش لا تشكل خطرا على العراق وحده، بل قد تهدد مصالح الأمريكيين في نهاية المطاف!! وأكد أنه لن يرسل قوات برية، لكنه بحاجة إلى بعض الوقت لتحديد كيفية التعامل مع الوضع في العراق!! الشيء الذي اعترف به الرئيس الأمريكي أن قادة العراق يمارسون تمييزا طائفيا في العراق وطالبهم بتركه هذا إذا أرادوه أن يتدخل في العراق!!المالكي لم يبتعد عن طائفيته المقيتة، بل أوغل فيها كثيرا وربما ظن أنها هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذه؛ وأحسبه طالب المرجعيات الدينية بإصدار فتاوى تلزم طائفته كلهم بالقتال إلى جانبه، وسارعت المرجعية بفعل ذلك، كما فعل الشيء نفسه عدد من علماء الشيعة، فمنهم من طالب بقتل السنة، ومنهم من أفتى بوجوب القتال على كل فرد، رجلا كان أم امرأة، وهكذا توالت الفتاوى الطائفية التي تفرق العراقيين ولأجيال قادمة!! ولست أدري أين كانت تلك المرجعية وأولئك العلماء عندما احتل الأمريكان بلادهم، إذ لم نسمع لهم صوتا وربما كان بعضهم سعيدا بذلك الاحتلال ومستفيدا منه!! وقد كان من الأفضل لهؤلاء العلماء أن يأخذوا بنصيحة الشيخ علي الأمين الذي قال لهم: (إن إصدار الفتاوى بالتعبئة العسكرية يساهم في تأجيج النزاعات وتلقي عليها الصبغة الطائفية والمذهبية، وأن دور المرجعية الدينية الدعوة لعدم سفك الدماء والعمل على جمع كلمة المسلمين).الواضح أن المالكي سيبقى على مواقفه السابقة رغم فشله طيلة سنوات حكمه، والراجح حتى الآن أن إيران - وهي اللاعب الأساسي في العراق حاليا - ستبقى إلى جانبه وبكل قوة، فالعراق أهم بكثير عندها من سوريا ولا أظنها ستثنيه عن طغيانه وظلمه، ويبقى دور الأمريكان ثم بعض العرب الذين قد تستغلهم أمريكا لدفع تكاليف حربها الجديدة - وإن كانت بشكل مختلف - فهؤلاء كان يجب عليهم ألا يصمتوا عن جرائم المالكي تجاه السنة وهم يعرفون ذلك جيدا، كما يعرفون آثاره أيضا، أما وقد صمتوا أو آزروه سابقا، فيجب عليهم تدارك أخطائهم وبأقصى سرعة!! فالأمريكان اعترفوا صراحة بأنهم فشلوا في تحقيق الديمقراطية في العراق!! والذي أجزم به أنهم لم يريدوا أصلا تحقيق الديمقراطية لا في العراق ولا في غيرها من الدول العربية، ولكن عليهم إصلاح ما أفسدوه قبل فوات الأوان، وإذا كانوا يظنون أن طائراتهم ستحل المشكلة فهم مخطئون وتجربتهم في أفغانستان مازالت واضحة للعيان!! وأجزم أنهم يعرفون الطريق الصحيح لتحقيق الديمقراطية لكل العراقيين وكذلك إبعاد المتطرفين عن العراق وسوريا وغيرها!! وبدون ذلك سيصدق على الأمريكان ما قالته صحيفة الإندبندنت عليهم في مقالها: (العراق نهاية الحلم الأمريكي)، أما الدول التي قد تساعد المالكي على طغيانه بحجة أنه يقاتل الإرهابيين فهم مخطئون أيضا، لأنهم يعرفون أن ثوار العراق هم من يقاتل المالكي بشكل رئيسي وهم قادرون على لجمه وإعادته للصواب ومن ثم تحقيق العدالة لكل العراقيين على تنوع مذاهبهم وبغير ذلك سيزداد الإرهاب وقد ينتشر في أماكن كثيرة. أما هيئة علماء العراق وكذلك مفتي العراق ومجموعة من علماء السنة فقد أحسنوا صنعا عندما طالبوا الثوار بتجنب الإساءة لكل العراقيين ومقدساتهم وكذلك الحفاظ على أمنهم وسلامتهم وعدم التعرض لممتلكاتهم، وكم كنت أتمنى أن يفعل علماء الشيعة الشيء نفسه بدلا من التحريض على قتل السنة، بل كم كنت أتمنى أنهم وقفوا ضد طغيان المالكي حفاظا على وحدة العراق وتماسكه، لاسيَّما وهم يعرفون مخاطر الحروب المذهبية، لاسيَّما إذا كانت بين أبناء الوطن الواحد، وعلى أي حال مازالت الفرصة سانحة أمامهم لإصلاح ما يمكن إصلاحه وتدارك أخطاء صمتهم في السابق. العراق مقبلة على أخطار جسيمة؛ فالتمزق الداخلي والخطر الخارجي قد يسهمان في تمزقها وتفتيتها وهناك من يعمل من أجل ذلك، وما لم يتدارك العراقيون بلادهم، فلن يفعل لهم الآخرون شيئا، أما العرب فعليهم إدراك أن مصير العراق سيؤثر عليهم، طال الزمن أم قصر، ومن هنا عليهم أن يحسنوا التعامل مع تلك الأحداث دون الانسياق إلى فكرة محاربة الإرهاب التي يعرفون أنها ليست دقيقة على الإطلاق.