28 أكتوبر 2025
تسجيلقام رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الصباح بزيارة خاطفة لبغداد الأسبوع الماضي استغرقت ساعات، الزيارة أعقبها إعلان الطرفين اتفاقهما على إغلاق كافة الملفات العالقة بينهما منذ غزو العراق للكويت عام 1990، وبالتالي خروج العراق من حالة "الانتداب" الدولي من الفصل السابع حسب ميثاق الأمم المتحدة. هكذا أعلن الطرفان انتهاء ملفات عمرها أكثر من عقدين بساعتين، وهو أمر مفرح لمن يتمنى الخير لشعبي البلدين رغم ما يسجله البعض من تساؤلات مشروعة حول شفافية الاتفاق وتوقيته. تشير المصادر أن الطرفين اتفقا على إحالة مسألة المفقودين الكويتيين وعددهم يقارب 280 وكذلك الأرشيف الكويتي الذي نهب أثناء الاحتلال للجنة مشتركة تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وبتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي). أما عن باقي التعويضات وقيمتها 11 مليار دولار فسيستمر العراق بدفعها وفق برنامج الدفعات المتفق عليه سلفا عبر الأمم المتحدة. ولكن المسألة التي بقيت حساسة خاصة بالنسبة للكويتيين هي مسألة تحديد العلامات الحدودية البرية حسب قرار مجلس الأمن رقم 833 الذي رسّم الحدود بينهما والذي أقره الطرفان منذ صدام وما بعد سقوطه. فلقد شهد هذا الملف شد وجذب بين الطرفين، ومزايدات وحروب إعلامية وبرلمانية بينهما، بل وصل الأمر إلى تعدي مجموعات عراقية على بعثة الأمم المتحدة وعلى الجانب الكويتي بحجة وجود مزارع عراقية داخل الأراضي الكويتية، وهي مزارع - تقول الحكومتان إنه تمت تسوية أمرها الأسبوع الماضي، وبقيت مسألة بعض البيوت داخل أم قصر الكويتية، ويقول الطرفان إنهما اتفقا على حلها أيضا بالتواصل والحوار، الأمر الذي ترتب عليه أن تكتب الكويت للأمين العام للأمم المتحدة أن العراق أوفى بكافة التزاماته تجاه الكويت وبالتالي سيرفع الأمر لمجلس الأمن الدولي لإقرار ذلك. المخاوف الشعبية الكويتية من بقاء ملف العلامات الحدودية كمسمار جحا، مخاوف مرتهنة بتطورات الوضع الداخلي العراقي، فكلما عاش العراق أزمة داخلية بين قواه السياسية، صار موضوع هذه العلامات أمرا للمزايدة والحرب الكلامية بل وحتى التهديد من قبل جماعات مارقة على القانون العراقي ومرتبطة ارتباطا مباشرا بإيران ومتواجدة بالجنوب المحاذي للكويت مثل حزب الله العراق وعصائب الحق. فهذه التنظيمات مرتبطة بإستراتيجية الجارة إيران التي يهمها أن يبقى محيطها متوترا ومشاكله معلقة: هذا موقفها من جزر الإمارات ومن ترسيم الجرف القاري البحري مع الكويت والمملكة العربية السعودية، بل وحتى مع العراق- وليس احتلالها لبئر الفكة العراقي الحدودي ببعيد. توقيت زيارة رئيس الوزراء الكويتي لبغداد رأى فيه معارضوه بالكويت وخصوم المالكي بالعراق تنازلا كويتيا لحكومة المالكي التي تبحث عن طوق نجاة إعلامي واقتصادي وهي تعيش أزمة مع فرقاء الداخل، ومقبلة على انتخابات العام القادم، سيكون أهم خطابها: أخرجت العراق من الفصل السابع. المعارضون الكويتيون يرون في الزيارة الكويتية تنازلا يضاف لتنازلها عن مراحل 3و4 بميناء مبارك، وتنازلها عن أكثر من 700 مليون دولار لصالح الخطوط الجوية العراقية، ومبادراتها الاقتصادية والتعاونية مع العراق التي تعلنها بين حين وآخر. هناك بالكويت أيضا من يرى أن الكويت أرادت أن تغلق هذا الملف إلى الأبد ما دام هناك حكومة عراقية- مهما كانت مهلهلة- قبل أن تتدهور الأمور بالعراق- لا سمح الله- ويصبح بلا حكومة يمكن التفاهم معها وإغلاق هذه الملفات معها. وبغض النظر عما لهذه الزيارة وما عليها، فالتاريخ سيكتب: ذهب الكويتيون لبغداد ليخرجوا العراق من الفصل السابع، ووقعوا اتفاقا أخرج العراق من الانتداب الدولي ببغداد، كانت بادرة حسن نوايا كويتية عسى أن تكون بداية مرحلة لا نهاية مرحلة وحسب.