08 أكتوبر 2025

تسجيل

أمريكا تستجمع قواها

17 مايو 2020

** واشنطن لا ترى جدوى من تحمل أعباء حماية أوروبا يتضح من التوجه الأمريكي أنها ليست حمائية اقتصادية فقط بل انطوائية متكاملة الأركان، كان سببها الفشل الذريع في تحقيق تصورها في المنطقة تحت مسمى الشرق الأوسط الكبير من فشلها في العراق إلى أفغانستان إلى فشل الانقلاب في تركيا والتكاليف تتراكم على كاهل أمريكا فكان لابد من إيقاف نزيف المال والأرواح وتردي الاقتصاد وتراجع مكانة أمريكا المستمر، لكن وفي الوقت نفسه هناك محاولة أخيرة لتحقيق ما يمكن تحقيقه من مكاسب اقتصادية قبل مرحلة الأفول النهائية، لذلك سرعة وعمق التفاوض مع جميع الأطراف من الصين إلى الناتو ومن المكسيك إلى كندا إلى أوروبا، لم تعد أمريكا تملك الوقت أو الرفاه، هي ترى أن موعد الأفول قد حان والفرصة الأخيرة سانحة لتحقيق ما يمكن تحقيقه قبل فقدان نفوذها حول العالم، ويجب تسليم كل ما له علاقة بالعالم من الكيان الصهيوني إلى حماية الخطوط البحرية إلى الخروج من أفغانستان والعراق وسوريا وكوريا الجنوبية، ومن أجل المحافظة على قدرتها على الاستمرار في استجماع قواها وبدون أن تفقد ماء الوجه جعلتها في شكل حمائية ولكن الحمائية مجرد مفهوم اقتصادي يتعلق بجانب الاستيراد أما ما تقوم به أمريكا فهو أبعد من ذلك بكثير، بل إن محاولات استرجاع الشركات الأمريكية يصب في نفس السياق، ففي الوقت الذي كانت تعتقد الإدارة الأمريكية أن أمريكا قادرة على التحكم في العالم لم تكن تخشى العواقب، فالمفهوم هو رفع كفاءة الشركات أياً ما كان ولكن حين استشعرت أن خيوط اللعبة قد تخرج من يدها همت باسترداد عناصر الهيمنة مهما كانت التكلفة، فرأينا محاولة استعادة السيطرة على الأمور خاصة التحكم في الصين فلم تستطع لذلك وصلت لقناعة التخلي عن هذا التصور ومفهوم الامبراطورية والاكتفاء بدور الدولة العظمى ولكن بظروف مواتية من خلال ترتيب الاتفاقيات والأحلاف والدول، الخيط الرفيع الذي يجمع هذا هو تحرك العملاق الصيني والذي يملك الاقتصاد والتقنيات والمعادن النادرة التي أمريكا في أمس الحاجة لها، لكل تقنياتها المتطورة خصوصاً الأسلحة المتطورة لذلك رأينا أفغانستان ضمن المفاهيم السردية لأمريكا قبل الهجمة الأخيرة على المنطقة تحت ستار ٩/١١، ولكن ترك كل شيء واضح وإذا كان من الواضح تخليها عن دورها وعن أصدقائها من الأكراد إلى الأوروبيون إلى شركاء الماضي والضامنين توريد النفط خاصة انه لا حاجة لنفط الشرق الأوسط بعد ارتفاع إنتاج النفط في أمريكا إلى اكثر من ١٣ مليون برميل يوميا. إذاً حاجة أمريكا للخلاص من الكيان الصهيوني أصبحت ضرورة قصوى خاصة انه لا حاجة لأمريكا لدور الحماية فلم تعد هناك مصالح كبيرة في المنطقة خصوصاً بعد حرب العراق وأفغانستان غير المجدية والمكلفة، بالإضافة لفشل تطويع تركيا وإنشاء كيان كردي في المنطقة فكل الخطط الإستراتيجية في المنطقة منيت بالفشل الذريع، لذلك لا فائدة من استمرار التواجد في الشرق الأوسط، فالهدف كان السيطرة على منابع النفط في الخليج العربي من خلال الارتكاز في العراق والتحكم في العالم من خلال منابع الطاقة ولكن لم تستطع أمريكا تمرير هذا المخطط فإن كانت لا تستطيع الهيمنة على الإقليم فلا فائدة من تواجدها فيه وتحمل أعباء تكلفة هذا التواجد إذاً السماح بعودة كيانات الدولة العراقية كما نرى في العراق اليوم ولكن عدم تسليم خيوط اللعبة لإيزان، وعودة كيانات الدولة في أفغانستان أصبحت ضرورة، ففكرة الهيمنة على المعادن النادرة ذات الأهمية الفائقة للأسلحة المتطورة التي تنعم بها أفغانستان أيضاً ليست إستراتيجية قابلة للتنفيذ، في العموم هناك قناعة تكونت بعد حربي أفغانستان والعراق أن فكرة الهيمنة على العالم لم تعد واقعية، لذلك لابد من إعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل ٩/١١ وان سيناريو التحكم في الطاقة والمعادن النادرة سيمكن أمريكا من التحكم في الصين والعالم لم يعد واقعياً بعد تجربتها في المنطقة، لذلك نرى وسنرى أسلوبا سرديا من أمريكا والغرب مختلفا أي أقل عدوانية للعالم العربي والإسلامي لكي يستعينوا بهم في مواجهة الصين، إنها لم تعد حامية للمصالح الأمريكية في المنطقة وأن وعود الانتخابات الرئاسية تركز على عودة الجنود وخفض التكاليف، لذلك لا بد من إرضاء الأطراف من منح الكيان الصهيوني القدس للتوسع في الأراضي الفلسطينية هو عامل التطمين ولابد من تهيئة المناخ لكي أولاً تتخلى أمريكا عن الكيان الصهيوني فلا بد من تهدئته بشكل يقبل تخلي أمريكا عن رعايته، فالأمريكيون إذا كانوا في حالة من الانطواء على الذات كحل أخير لسلسلة التراجعات والتهاوي البطيء لكن كورونا يحمل في طياته مسحا للذاكرة المأساوية لأحداث الماضي من٩/١١ وثلاثة آلاف قتيل إلى فيتنام إلى فشل العراق فعدد الوفيات من جائحة كورونا سيجعل كل تلك الأحداث صغيرة لا تذكر فتنسى مرارة أحداث الماضي ولتكون انطوائية تحتوي سكينة وبذلك تكون مكتملة الأركان، هذا التهاوي الذي لا مرد له على الأفل هو محاولة إدارة وتخفيف سرعة هذا التراجع ولكن كورونا سرع بشكل جنوني هذا التهاوي لذا لابد من التخلص من كل ما يسبب ضعفا أو تراجعا لأمريكا وضغوط الكيان الصهيوني المالية والإدارية والسياسية والعسكرية هي الأضخم على أمريكا وإذا كانت أمريكا لا ترى جدوى من تحمل أعباء حماية أوروبا الشريك الاستراتيجي فكيف بها لشريك هي تطمح للتخلي عن منطقته بالكامل الشرق الأوسط وقد تخلت عن شريك النفط والبترو دولار السعودي، فأمريكا تشد الرحال من الشرق الأوسط وعقدتها في المنطقة هي مسؤوليتها عن رعاية الكيانات فيه وهي مكلفة وأكثرها كلفة هو الكيان الصهيوني ولذلك لابد من تحضير الظروف لكي تتمكن أمريكا من التخلص منه وأول الأمور هو نقل مسؤولية الكيان لدول المنطقة، ولذلك نرى التسريع في التطبيع والهرولة من قبل دول الحصار لتبني الكيان لأنهم يرون أنهم سيستخدمون الكيان في دعم نظمهم تقنياً للتجسس على الصديق أولاً والشعوب وأقربائهم واستخدام الأسلحة والمرتزقة لإنقاذهم من شعوبهم، لكن حلفاؤها فقدوا كل شيء وهم في أسوأ حال مالياً وعسكرياً في اليمن وفي ليبيا، هل هذا يعني أن نهاية الكيان الصهيوني قد قربت في اللحظة التي يعتقد البعض أنه يكتسب قوة على قوة، خسارة دول الحصار وحليفيها فرنسا والكيان الصهيوني في ليبيا دليل آخر حتى في الوقت الذي تتخلى فيه أمريكا عن الكيان لم يعد حلفاؤه قادرين على القيام بهذا الدور خاصة أنهم في حالة نفسية وماليه مزرية ولحظة الانهيار أصبحت تغشاهم وأمريكا تحتاج تركيز قواها لمواجهة التنين من بحر الصين الجنوبي والذي يحتوي على ممرات تخدم أكثر من ٤،٢ تريليون دولار سنوياً.