11 سبتمبر 2025

تسجيل

صعود ثقافة الأغذية العضوية

17 أبريل 2024

تعتبر التغذية من أهم احتياجات الإنسان الأساسية، إذ إن الإنسان لا يستطيع البقاء على قيد الحياة سوى لعدد قليل من الأيام من دون غذاء، فقد كان إنسان العصور الأولى يعيش على الصيد وجمع الثمار في تغذيته على ما يجده متوافراً في الطبيعة، لكن هذا الوضع تغير مع اكتشاف المحراث، فقد شهدت هذه الحقبة تحولا جذريا، فعندما بدأ الناس في زراعة طعامهم انتقلوا إلى فترة أكثر استقرارا في التغذية وساهموا بذلك في تشكيل البيئة المحيطة بهم. بعد آلاف السنين من استمرار المجتمع الزراعي، حدث تغيير اجتماعي كبير ثان مع الثورة الصناعية، فمع عصر التصنيع زاد التحضر وتغير الاقتصاد والمجتمع والثقافة وكل ما ينتمي إلى هذه المجالات. وعلى الرغم من انخفاض عدد السكان الذين يعملون في الزراعة، زادت الإنتاجية بفضل التحول إلى الآلات واستخدام الأسمدة الكيميائية، مما سمح بتغذية السكان المتزايدين. في العصر الحالي، زادت الزراعة الصناعية من حجم إنتاج الغذاء، ولكن مع الأسف لم تسفر هذه الزيادة عن تحسين صحة البشر، تغيير جينات البذور لزيادة الإنتاج وتحسين مقاومتها، بالإضافة إلى استخدام كميات كبيرة من المبيدات الكيميائية لحمايتها من الأمراض والآفات، يؤدي إلى تشويه طبيعة النباتات وتقليل التنوع البيولوجي، ويؤثر تناول البشر للحيوانات التي تتغذى على الأطعمة الاصطناعية أيضًا سلبًا على صحتهم. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر تلوث المياه والتربة مصدراً لتراكم المعادن الثقيلة الضارة في الجسم، مما يشكل خطراً كبيراً على الصحة. يؤدي استخدام مبيدات الزراعة الكيميائية إلى قتل الكائنات الحية الضارة والمفيدة في التربة، وترك بقايا المبيدات في التربة والماء والفواكه، مما يؤدي إلى استنزاف التربة وتفقيرها. وبعد الحصاد، تتم إضافة العديد من المواد الكيميائية كمواد حافظة ومواد محلية للنكهة إلى الأطعمة أثناء معالجة الأغذية في المصانع، مما يتسبب في دخول العديد من المواد التي لا تحتوي على خصائص غذائية هامة إلى أجسامنا. هذه المواد الضارة تتراكم في أجزاء حساسة من أجسامنا مثل الدماغ والأعضاء التناسلية، مما يمكن أن يؤثر حتى على استمرارية الأجيال. بسبب المواد المسرطنة أو المدمنة الموجودة في الأطعمة المصنعة. بدءًا من السمنة ووصولًا إلى مشاكل الجلد والقلب، يبدأ الأشخاص في مواجهة هذه المشاكل حتى في سن مبكرة ومن ناحية أخرى، وفي عصرنا الحالي ظهرت ثقافة غدائية عضوية جديدة على الساحة العالمية، مرتبطة بمفاهيم الجمال والحياة الصحية. أصبح مفهوم الحياة الصحية منتشرا بشكل واسع في البرامج التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن نلاحظ وجود ارتباك واختلاف في آراء خبراء التغذية حول بعض المواد الغذائية على سبيل المثال، استهلاك اللحوم والخبز والسكر. يشير مصطلح الطعام العضوي إلى الأطعمة التي تُنمَّو في بيئة طبيعية دون استخدام الأسمدة الصناعية والمبيدات الكيميائية، ودون تعديل جيناتها، ولم يتم إعطاؤها الهرمونات والمضادات الحيوية لتسريع نموها، ولم يتم استخدام المواد الحافظة والمواد المعلِّقة الصناعية، تتم زراعة هذه الأطعمة في بيئة طبيعية باستخدام السماد العضوي، ويتم منع الحشرات الضارة باستخدام الطرق البيولوجية أو الميكانيكية بدلاً من استخدام المبيدات الكيميائية. مبيدات الحشرات المستخدمة على الخضروات والفواكه قد تسبب ضررًا للدماغ والجهاز العصبي والعيون والبشرة، ويمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالسرطان والعقم. العديد من البلدان فرضت قيوداً على استخدام مبيدات الحشرات، ولكن المراقبة في هذا المجال تبقى صعبة للغاية، حيث يمكن أن تكون القيود غير فعّالة أو أن يتم تجاوزها بسهولة. تظهر لنا الأبحاث أن الأطعمة غير العضوية تضعف جهاز المناعة، بينما تحتوي الأطعمة العضوية على مزيد من الفيتامينات والمعادن. على سبيل المثال، تم اكتشاف أن الحليب العضوي يحتوي على مزيد من مضادات الأكسدة وفيتامين E وبيتا كاروتين. يقوم الأشخاص الذين يتبنون ثقافة الحياة الصحية بمراقبة محتوى السعرات الحرارية والسكر في كل المنتجات التي يشترونها. يتخلى البعض من الناس عن تناول اللحوم بناءً على اعتقادهم بأنها ضارة، لكنهم يتناولون منتجات حيوانية مثل الحليب والبيض. لكن في المقابل ذلك تبتعد المجموعة المعروفة باسم «النباتيون» عن الاستهلاك التام لأي منتجات حيوانية. في الآونة الأخيرة، شهد العالم ارتفاعًا ملحوظًا في الوعي بأهمية الأطعمة العضوية والحياة الصحية. حيث تجاوز حجم قطاع الأغذية العضوية على المستوى العالمي 250 مليار دولار ويستمر في الزيادة كل عام، مما يُعادل حوالي عشرة في المائة من قيمة سوق الأغذية البالغة 2.4 تريليون دولار. يُلاحظ أن الناس مستعدون لدفع مزيد من المال مقابل الأطعمة العضوية، نظراً لأن المنتجات العضوية أكثر تكلفة وربحية، فإن الطلب على الإنتاج العضوي يزداد بين الفلاحين ونرى المزيد من المنتجات المحملة بعلامة العضوية في الأسواق. ومع ذلك، لا تزال معايير هذه العلامات غير موحدة تمامًا، حيث توجد علامات عضوية بنسب مئوية مختلفة مثل 100 % و95 % و70 %. تحتاج المنتوجات لكي تكون عضوية إلى الإعداد المسبق للتربة لمدة لا تقل عن 3 سنوات، حيث يجب أن تكون جميع المداخل طبيعية ولا يجب أن يحدث تلوث كيميائي من الحدائق المجاورة. نظراً لانخفاض عدد الفلاحين في الوقت الحالي، فإن إنتاج الزراعة ينخفض أيضاً، وجشع الشركات الكبيرة للأغذية والمتاجر يزيد من أسعار الأغذية. تفاقمت هذه المشكلة خلال جائحة كوفيد - 19 وحرب أوكرانيا، نظراً لتأثير التغير المناخي، والفيضانات، وعدم انتظام الأمطار على إنتاج الزراعة، فإن ارتفاع أسعار الأغذية يضع عبئا إضافيا على ميزانيات الأفراد، مما يجعل الأطعمة العضوية تصبح رفاهية، نظراً لأن الصحة هي أهم شيء، فإن ثقافة الأطعمة العضوية ستستمر في الحفاظ على أهميتها، ففي نهاية المطاف «نحن نتاج ما نأكله».