04 أكتوبر 2025
تسجيلعلى الرغم من أن ما يعرف بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق قد انتهت رسميا قبل 32 عاما، إلا أنها ظلت قائمة بصورة أو أخرى، إذ لم ينته التنافس والصراع بين القوتين العظميين. ولعل المصطلح استخدم لوصف حالة الصراع بدون المواجهات العسكرية، كما كان الحال إبان الحرب العالمية الثانية التي وضعت أوزارها في 1945، بيد أن حالة استقطاب عمت العالم كله فانقسم بين حلفاء للاتحاد السوفييتي وحلفاء للولايات المتحدة. اليوم بدا العالم قلقا من تصاعد حدة التراشق الأمريكي الروسي، لا سيما بعد انتخاب جو بايدن مرشح الحزب الديمقراطي رئيسا للولايات المتحدة. أمس الأول الخميس بلغت التجاذبات بين القوتين الأعظم درجة الغليان، حين قامت واشنطن بطرد دبلوماسيين روس، قالت إنهم قاموا بأعمال ضد الولايات المتحدة، وهدد بايدن أنهم بإمكانهم الذهاب إلى ما هو أبعد من هذه العقوبات، وتضمن الاجراء الأمريكي حزمة واسعة من العقوبات ردا على تدخل روسيا الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وعلى دورها في هجوم إلكتروني واسع طال أمريكا نهاية 2020، وعلى دورها في أزمة أوكرانيا، موسكو ردت بسرعة وتوعدت بالرد على واشنطن بالمثل، مهددة بأن ردها لن يتأخر. قد لا نسمي التجاذب اليوم حربا باردة من حيث أنه لا يصل لدرجة استقطاب كل دول العالم، إذ على الأقل تبدو الصين بكل جبروتها العسكري والاقتصادي على مسافة بعيدة من كلتا القوتين المتصارعتين. ورغم أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي وبريطانيا قد عبروا عن دعم القرار الأمريكي، إلا أن الظروف قد اختلفت تماما عما كان في الفترة من منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات؛ فلا شيوعية راديكالية تسعى الولايات المتحدة لاستئصالها بحشد الحلفاء في أوروبا الغربية والشرق الأوسط، ولا دعم ستقدمه روسيا للحركات الشيوعية حول العالم، سيما في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية ودول جنوب شرق آسيا. فخلال تلك الفترة، ظهرت الندية بين القوتين العظيمتين عبر التحالفات العسكرية والدعاية المكثفة وتطوير الأسلحة والتقدم الصناعي وتطوير التكنولوجيا والتسابق الفضائي، مع تصاعد الإنفاق الضخم على الدفاع والترسانات النووية. اليوم في ظل نذر هذه الحرب التي قد نسميها تجاوزا حربا باردة قد تزدهر بين الغريمين الحروب غير المباشرة باستخدام الوكلاء في عدد من مناطق العالم الملتهبة، حيث الموارد والأسواق. وفيما اختلف الغريمان سابقا اللذان كانا حليفين في الحرب العالمية الثانية ضد قوات المحور في كيفية إدارة حقبة ما بعد الحرب العالمية وإعادة بناء العالم، فإنهما اليوم يتسابقان على الاستحواذ على موارد العالم وسرقتها، وكذلك على الأسواق التي تستوعب منتجاتهما وصناعاتهما، والتي تتمثل في أوروبا والشرق الأوسط والشرق الأدنى وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وقد حرص بايدن على تغليف حقيقة الصراع بعناوين أخرى، فهو يقول إذا استمرت روسيا في الاعتداء على «ديمقراطيتنا فنحن مستعدون لتصعيد خطواتنا» في اشارة إلى مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية. [email protected]