13 سبتمبر 2025
تسجيلكنا نعرف، ومعنا العالم بأسره، أن منظمة التعاون الإسلامي هي ثاني أكبر منظمة دولية في العالم، وأنها تمثل 57 دولة يبلغ عدد سكانها 1.5 مليار إنسان يمثلون أكثر من 20% من تعداد البشرية، وأن مساحتها مجتمعةً أقلُ بقليل من مساحة روسيا وأوروبا والولايات المتحدة سويًا، فيما يقترب معدل ناتجها القومي من معدل الناتج القومي للاتحاد الأوروبي.لكن ما كنا نعرفه، ويعرفه العالم أيضًا، يتمثل في حقيقة العجز المخزي لتلك المنظمة، بكل تلك الأرقام، على إيجاد مكانٍ لها في هذا العالم يليق بحجمها ووزنها السكاني والجغرافي والاقتصادي، وموقعها الجيوسياسي."أن تصل متأخرًا خيرٌ من ألا تصل أبدًا". ثمة أملٌ بأن تنطبق هذه المقولة على حاضر المنظمة ومستقبلها بعد انعقاد القمة الثالثة عشر في إسطنبول منذ يومين. ورغم كثرة التحديات وصعوبة الواقع، داخل دول المنظمة وخارجها، إلا أن عنصرًا وحيدًا، دون اختزال، سيساعد في حصول النقلة المطلوبة: الإرادة السياسية.واليوم، تظهر تلك الإرادة بشكلٍ واضح لدى أكبر قوتين مؤهلتين، سويًا، لتُصبحا رافعة العمل في المنظمة بحيث تبلغ كمونها المطلوب، والممكن يقينًا: السعودية وتركيا. فمع التغيرات العاصفة التي أصابت المنطقة العربية، ولا تزال تحيط بها. ومع ارتداداتها الإقليمية والعالمية التي تأثرت بها دول المنظمة بأشكال متفاوتة، تَشَكل واقعٌ جديد، سياسي وأمني وثقافي واقتصادي، يفرض على البلدين التعاون والتنسيق في أعلى أشكاله تنظيمًا وفعالية، ليس فقط لتطوير واقع دول المنظمة، وواقعهما عطفًا على ذلك. وإنما، الأهم من هذا، لمواجهة التحدي الوجودي الذي يكاد يعصف بالجميع، في حال الاستسلام لتوجهات النظام العالمي الجديد الذي يتشكل في السنوات الأخيرة.لا يمكن أن تكون القضية حصرًا في البلدين على وجه التأكيد، لأن هذا التفكير يناقض بذاته معنى وجود المنظمة وحتمية صعودها في العالم بجهود أعضائها دون استثناء. لكنّ ثمة عاملين يجب أخذهما بعين الاعتبار. أولًا، أهلية القيادة، بكل ما تتطلبه من قدرات وإمكانات بمقاييس العصر المعروفة، وثانيًا، الخيار الذاتي، ويمكن هنا أيضًا استعارة مفهوم الإرادة السياسية.فواقعنا المعاصر يُظهر بوضوح أن حجم الدولة وتاريخها لم يعودا حاسمين، وحدهما، لاحتلال دورٍ متقدم يعطي زخمًا إضافيًا لموقعها ودورها في هذا العالم بشكلٍ عام، وفي ترتيب البيت الإسلامي الذي نتحدث عنه تحديدًا. فكم من دولةٍ تُصرُ، وأحيانًا بعنادٍ غير مفهوم، على الاستقالة من دورها وتقزيم موقعها، مهما تناقضَ ذلك مع حجمها وتاريخها. وكم من دولةٍ تصعد كالصاروخ في تأكيد دورها وموقعها، مهما تناقض ذلك، أيضًا، مع حجمها وتاريخها.ثمة حقيقةٌ أخرى يجدر الحديث عنها بصراحةٍ ووضوح. فالحديث عن تطوير منظمة المؤتمر الإسلامي، وكل ما له علاقة بذلك من صفةٍ (إسلامية)، لا يتضارب بالضرورة مع (عربية) الدول العربية وثقافتها، تمامًا كما لا يتضارب مع (إفريقية) أعضاء المنظمة من القارة السمراء، ولامع (آسيوية) أعضائها من آسيا، بكل تنوعها الكبير إثنيًا ولغويًا وثقافيًا.هذه (تناقضاتٌ) موهومةٌ ومُفتعلة، يمكن أن تُصبح مجال تضارب وُفق فكرٍ تقليديٍ لم يعد صالحًا للعصر، لكنها في حقيقتها مصدرُ تنوعٍ ثريٍ وهائل. وبشيءٍ من التفكير المعاصر، سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، تبني الخلفية السابقة أطرًا حديثة ومعاصرة من التداخل والتكامل الإيجابي لدوائر الهوية والانتماء، بعيدًا عن الشعور بأنها مداخل تنافرٍ وتنافسٍ وعداءٍ.أكثرُ من ذلك. يمكن أن تُصبح هذه الطريقة في التفكير، نهايةَ المطاف، مدخل حلٍ أكثر فعاليةً لمشكلة الطائفية، بكل ما ينتج عنها في واقعنا المعاصر، من ارتكاسٍ إلى هوياتٍ ضيقةٍ بدائيةٍ غرائزيةٍ أحادية البُعد. وهذه مُقاربةٌ لمحاربة الطائفية وعنفها القاسي المعاصر يجدر أن تكون مجال دراسةٍ وتفكيرٍ، إن كنا نبحث حقًا عن حلول شاملة وغير تقليدية للظاهرة.وهذا كله يُغلق، بالتالي، باب الادعاءات، على المستوى الدولي، بأن هذه النشاطات تشكل نوعًا من العُزلة والانغلاق والتقوقع داخل أطرٍ دينية ومذهبية. فالحقيقة أن النظام الدولي المعاصر يبدي عجزه المتزايد، مع كل مشكلةٍ جديدة تواجه العالم، في معالجة تلك المشاكل من جذورها. ويَظهر واضحًا باطراد، للمراقبين الجديين في كل مكان، أن عقلية (إدارة الأزمات) أصبحت جوهر الرؤية السياسية لهذا النظام الدولي. فمن السياسة إلى الاقتصاد، ومن الأمن إلى الاجتماع والثقافة، ومن المنطقة العربية إلى أوكرانيا، مرورًا بأزمات أوروبا وإفريقيا والشرق الأقصى، يبدو النظام العتيد مكتوف اليدين حين يتعلق الأمر بحلول جذرية تُرسخ الأمن والسلام والاستقرار والتنمية في أي منطقة بشكلٍ مستدام. وحين نصل إلى أمريكا، نجدها تقدم لنا مثالًا على ما يمكن أن تهديهِ للعالم في المستقبل القريب: دونالد ترامب، وهذا أمرٌ لا يحتاج لتعليق.بالمقابل، تقدم منظمة التعاون الإسلامي تحت شعارها الراهن (الوحدة والتضامن من أجل العدل والسلام) حلولًا لمشكلات يعتبرها النظام الدولي أساسية وخطيرة، وهي كذلك فعلًا، لكن حلوله المشوهة لها تزيدها اشتعالًا. مَن هو، مثلًا، المتضرر الأكبر من ظاهرة الإرهاب؟ ومَن هو بالتالي الأقدر على التعامل معها بشكلٍ جذريٍ حاسم؟ تَعرضُ المنظمة ترياقها الخاص لهذا المرض. وإذا نجح في شفاء البشرية منه، كاحتمالٍ غير مستبعد، سيكون معيبًا، مع هذا المثال، ومع حديثنا السابق عن عجز النظام الدولي، عدم الاستجابة لأردوغان في دعوته لإعادة هيكلة مجلس الأمن، وصولًا لنظامٍ دولي أكثر تنوعًا وتمثيلًا وقدرة حقيقيةً على حل مشكلات هذا العالم.يعيد هذا التحليل التذكير بالمسؤولية الكبرى المُلقاة على تركيا والسعودية ليكون العمل الفعلي بعد القمة الأخيرة خطوة انطلاق حقيقية، ليس فقط لإعادة ترتيب البيت الإسلامي، وإنما البيت العالمي الذي ملأته الفوضى ولم يعد بعض ساكني غرفه الراقية قادرين على وقف اهتراء أساساته.