13 سبتمبر 2025
تسجيللا تزال الدراسات المعمقة حول تنظيم«الدولة الإسلامية في العراق والشام» -«داعش»، قليلة في المكتبات العربية، غير أن كتاب الأستاذ عبد الباري عطون، الحامل لعنوان «الدولة الإسلامية -الجذور، التوحش المستقبل- يشكل إضافة حقيقية في هذا المجال، نظرا لما يحتوي على كمية هائلة من المعلومات عن هذا التنظيم- الدولة، الذي ولد حديثا بالعراق، حيث إن الاحتلال الأمريكي للعراق منذ عام 2003، شكل الحاضنة الحقيقية لقيامه، بسبب سياساتها التدميرية للدولة العراقية ومؤسساتها، لاسيَّما الجيش العراقي وأجهزة المخابرات، إضافة إلى سياسات القهر والتهميش والإقصاء والإذلال التي مورست على الطائفة العربية السنية في العرق، أثناء فترة الاحتلال التي امتدت أكثر من 11 عاما، هيأت البيئة الملائمة لنمو «بذرة» الدولة الإسلامية وترعرعها وامتدادها، ونمو «النموذج» الذي يجذب عشرات الآلاف من الشباب العربي والمسلم المحبط في مختلف أنحاء العالم.ولكن تنظيم «داعش» أيضاً هو النتاج الطبيعي لطبيعة النظام الطائفي والمذهبي في العراق الموالي لإيران، في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي مارس سياسية ثأرية وانتقامية تجاه الطائفة السنية، لاسيَّما بعد أن تبنى بعض أبناء هذه الطائفة السنية نهج المقاومة للاحتلال والعملية السياسية المنبثقة من رحمه. وإذا كان تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» هو الامتداد الطبيعي لتنظيم «القاعدة ببلاد الرافدين» الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي في 17 أكتوبر 2004، وتحول إلى الجماعة الأساسية التي تجمع المقاتلين العرب والأجانب الذين قدموا إلى العراق بغية محاربة القوات الأمريكية، وأيضا من أجل إقامة دولة العراق الإسلامية.كانت لقرار إدارة بوش السابقة غزو العراق عواقب وخيمة على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وعلى العالم العربي نفسه، وأدّى إلى تشكيل حكومة متحالفة مع إيران ومنعزلة عن العالم العربي، هي حكومة نوري المالكي التي وضعت العراق على شفا التفكك، مع اتجاه كردستان إلى الاستقلال أكثر من أي وقت مضى، واتجاه السكان السنة إلى التمرد ضد الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، وهو ما ساعد في اشتعال الصراع الطائفي بين السنة والشيعة والذي يجتاح منطقة الشام والخليج الآن ويمزق سوريا. وتظل الحاضنة الأيديولوجية لـ«الدولة الإسلامية»، التيار الجهادي العالمي، القاسم المشترك مع «القاعدة»، فهناك أصول مشتركة جامعة، مثل مبدأ «الحاكمية»، والكفر بالطاغوت (تكفير كل الأنظمة التي لا تطبق الشريعة)، والولاء والبراء،(الالتزام المطلق بالجماعة المسلمة الموحدة والبراء من الكفار والمشركين والمرتدين)، والانطلاق من الدعوة النظرية للإسلام والعقيدة إلى الجهاد المسلح كأداة للتغيير وتحقيق الأهداف وأبرزها فرض الشريعة والقضاء على الطواغيت.في نظر المحللين المتخصصين بشؤون الحركات الجهادية التكفيرية، تعتبر العمليات التي يقوم بها تنظيم «داعش» الإرهابي، لاسيَّما عمليات الذبح، مرحلة جديدة ترتكز على بث الفوضى في المدن وإثارة الرعب في نفوس المدنيين من خلال استهدافهم بعمليات نوعية، في تطوّر الظاهرة الإرهابية في البلدان العربية. ويعتبر التوحش جزءاً أساسياً من ترسانة السلاح النفسي للجهاديين، وقد تم التعبير عنه في شكل جلي من خلال دراسة طويلة في العام 2004 معنونة« إدارة التوحش- أخطر مرحلة ستمر بها الأمة»، من إعداد أبو بكر ناجي(اسم حركي)، أحد منظري تنظيم «القاعدة»، والذي اتخذته فيما بعد الجماعات التكفيرية والجهادية كدليل توجيهي يحكم وجودها وتطوّرها، ودستور تتقيّد به في تحرّكاتها. وتحدّثت هذه الدراسة عن ثلاث مراحل أساسية لبلوغ الهدف الأسمى بالنسبة لهذه الجماعات التكفيرية وهي إقامة دولة الخلافة، وهي مرحلة «شوكة النكاية» ومرحلة «إدارة التوحّش» ومرحلة «التمكّن ».وجاء في الكتاب الذي يعكس فكر الدولة والجهاديين:«إن أفحش درجات التوحش أخف من الاستقرار تحت نظام الكفر»، ويضيف: «إذا نجحنا فيها فهي المعبر نحو الدولة الإسلامية المنتظرة منذ سقوط الخلافة، ولهذا ليس على المجاهدين انتظار نشوء التوحش تلقائياً بل التسريع به من خلال ضربات النكاية والإنهاك.الدولة الإسلامية التي حملت هذه التسمية رسمياً في يونيو 2014، بعد استيلاء قواتها على مدينة الموصل، ومبايعة أبو بكر البغدادي في مسجدها الكبير «خليفة»، هذه الدولة لم تنشأ من فراغ، ولا أجنداتها الإسلامية المتشددة التي وجدت في دولتين علمانيتين مثل العراق وسوريا. ويعود نجاحها ونشوئها بالسرعة المفاجأة إلى عدة عوامل أساسية معقدة ومتعددة، وأحداث وظروف غير مسبوقة، منها: الفوضى، وعدم الاستقرار، والطائفية، وسوء التقدير، والظلم، والإقصاء، والاستبداد، والتدخلات الإقليمية الإيرانية في العراق، والرغبة الأمريكية –الصهيونية في تفتيت الدول العربية المركزية تحت عناوين الحضارة ومحور الإمبراطوريات، كلها عوامل، متفرقة، أو مجتمعة، قدمت الفرصة الذهبية لـ«الدولة الإسلامية» للنشوء والتوسع وبذر بذور نواتها الأولى في منطقة شاسعة من الأراضي تمثل ثلث مساحة سوريا(الرقة ودير الزور وجوارهما)، وربع أرض العراق (الموصل والرمادي وصلاح الدين)، تعتمد هذه الدولة الإسلامية «داعش»، على استقطاب المقاتلين الأجانب المدفوعين بأيديولوجية دينية مشتركة والانتماء إلى هوية وطنية عابرة للحدود(وهي «الأمة الإسلامية» في هذه الحال). ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مفهوم الأمة يعتبر أساسيا في أيديولوجية الجهاديين، و«أمة المسلمين» ليس لها حدود، كما أن الجهاديين يرفضون بشدة الحدود المصطنعة التي رسمتها القوى الاستعمارية الغربية بعد الحرب العالمية الأولى، وفق اتفاقيات سايكس بيكو عام 2016.