14 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أن انقضت التسعة أشهر من المفاوضات كما انقضى قبلها عشرتان وثماني سنوات منذ الـ 1986 وآلاف اللقاءات التفاوضية والتطبيعية والتعاونية بين المفاوضين الفلسطينيين والعدو الصهيوني.. صار من المسلّمات التي لا يختلف عليها اثنان ولا يتناطح فيها كبشان: أن هذه المفاوضات بحالها وشخوصها ومحدداتها التي تأسست عليها وانطلقت بها لن تنتج دولة للفلسطينيين حتى على الحد الأدنى الذي يمكن أن يتوافقوا عليه كضرورة في أسوأ الظروف. وأن الوسيط الأمريكي قد بان عواره وانحيازه وانخراطه في إستراتيجية العمه التي يمارسها على هؤلاء المفاوضين بمشاركة الصهيوني وأطراف أخرى ما لا يمكن معه إعادة الاعتبار لأخلاقيات هذا الوسيط ولا لفنياته ولا للنتائج المستهدف تحصيلها والخلوص إليها (وأقصد بالأمريكي هنا المؤسسة الرسمية بصرف النظر عن فوارق الزمن واسم الرئيس والحزب الحاكم واللغة الخطابية التي يدلسون بها). كما استقر أن الزمن وامتداده في هذه المفاوضات لا يسير لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته حين تتلازم عملية التسوية هذه مع الاستيطان الذي يقضم الأرض وينهب إقليم دولة المستقبل، وحين تتوازى هذه العملية مع تقسيم دائم للشعب الفلسطيني بين فريقين؛ فريق يتخذهم العدو حلفاء ومتعاونين يوادّهم وينيلهم رضاه وعطاه وجلّهم من السلطة ومنظمة فتح ومن لف لفها؛ وفريق آخر هو فريق المقاومة الذين يتخذهم أعداء يواجههم ويقتلهم ويشن عليهم الحرب تلو الحرب، ويوظف ضدهم إمكانات الطرف الأول بما أدى حتى الآن إلى الانشراخ الكامل والانقسام البغيض الذي نراه والذي يطاول شكل الوحدة الوطنية بقدر ما يطاول مضمونها. هذه الخلاصات الثلاث وما يدور حولها أو يتمم صورتها من تفاصيل سياسية وفكرية وتبريرات ومناقشات صارت تطرح اليوم على القائمين على الشأن الفلسطيني بجملتهم وتلاوينهم وبالأخص منهم المنخرطين في عملية التفاوض الأبدي سؤالا جوهريا واستراتيجيا لم يعد ممكنا التدليس فيه أو التغافل عنه وتجاهله وهو: متى سيقتنع المفاوض الفلسطيني بأن أصل ولوجه للتسوية كان عن خديعة كبرى دزته إليها في وقتها وعود السلام، وأغرته بها تكتيكات الإعلام، والرغبة في التغيير والتجريب، واهتزاز تمثيله للشعب الفلسطيني، في لحظة خطرة من التوهان وفقدان الذات والإحساس بالتلاشي؟ المعنى تحديدا: ما المحددات وما الاشتراطات التي إن تحققت لعملية التسوية صيرتها مجدية وصائبة وجعلت الاستمرار فيها ذكاء ديبلوماسيا محترما ورهانا سياسيا مجديا؛ وإن لم تتحقق حكمت بأنها خطأ يجب تصحيحه، وخطيئة تجب التوبة منها وتلزم العودة عنها؟ وأقول : الحقيقة أنه ليس لفلسطيني ولا لعربي ولا لمسلم ولا لأممي إنساني محترم أن يقبل بلعبة النصب واللف والدوران والابتزاز الاحترافي هذه التي يمارسها العدو الصهيوني ويتقبلها ويروج لها ويستثمر فيها - للأسف - فريق من الشعب الفلسطيني يفترض أنه المؤتمن على القضية ومستقبلها.. كما الحقيقة أنه ليس لأحد كائنا من كان وأيا ما كان من شخص أو منظمة أو سلطة أو جهة فضل على فلسطين أو دَيْنٌ على القضية الفلسطينية لجهد قدمه أو بموقف وقفه أو لسمعة ورثها أو صنعها أو صنعت له. والحقيقة أيضا أن الشعب الفلسطيني قد اقتنع بعدمية المفاوضات وبخطيئة الاستمرار في التسوية، وأنه جاء الوقت الذي يجب أن تنطلق فيه الثورة العارمة الكاملة وأن يتحرك فيه هذا الشعب العملاق بكل إمكاناته شمولا وامتدادا من السلمية للمسلحة ومن النخبة للعامة، وانتقالا وتغييرا من قيادة الأشخاص لقيادة الأفكار ومن رمزية الأسماء إلى رمزية المبادئ، ومن التوهان في الخطأ والعمه السياسي إلى المراجعة واتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية. آخر القول: فلسطين والقضية الفلسطينية ومستقبلها وما آلت إليه أكبر وأكثر وأوسع وأخطر من أن تظل مقيدة بضعف الضعفاء وتهاون المتهاونين، ومن تكرار نظرية التجريب والخطأ، ومن الارتهان لما يتفضل به العدو المحتل الطامع الكولونيالي الاستيطاني.. كالذي نرى!!