12 سبتمبر 2025

تسجيل

قبل أن ينقلب الناس على ثورتهم

17 أبريل 2013

لم يكن صديقي يعلم وهو يحكي لي عن مشكلته الشخصية أنه يعكس الطريقة التي يفكر بها الكثير من المصريين في الأوضاع السياسية الراهنة. ومشكلة صديقي تتلخص في خبرته السيئة مع الفنيين، حيث احتاج خلال الفترة الماضية إلى إصلاح جهاز غالي الثمن أصابه عطب، فاتصل بالشركة المصنعة لكي ترسل إليه من يصلحه. وبعدما وصل مندوب الشركة وأجرى الفحص الأولي، أكد له أن العيب في المحرك (الموتور) وأنه لابد من استبداله بقطعة جديدة. كانت هذه أخبار غير سارة لصديقي نظرا لأن ثمن المحرك يفوق نصف ثمن الجهاز نفسه. ولكن لما لم يكن ثمة خيار آخر أمامه، فقد أذعن ووافق على استبدال المحرك القديم بآخر جديد وقام بسداد ثمنه كاملا، ولكن بعد تركيب المحرك الجديد، فوجئ صديقي بأن الجهاز ما زال معيبا، هنا تدخل الفني بسرعة وأخبره أن المشكلة تستلزم شراء قطع غيار إضافية، احتج صديقي على الفني، وأعرب له عن شكوكه في تشخيصه الأول، فلو كانت المشكلة في هذه القطع الإضافية فلم قام بتغيير المحرك؟ ولكن الفني أكد أن المحرك القديم كان قد استنفد أغراضه وكان لابد من أن يتم تغييره إن آجلا أو عاجلاً. ولكن هذا التبرير لم يعجب صديقي الذي صار مقتنعا أنه قد تعرض لعملية خداع دفع بموجبها ثمنا باهظاً مقابل محرك جديد لم يكن في حاجة إليه، فيما ظل جهازه معطوبا. الشاهد هنا أن الكثير من المصريين صاروا يفكرون بنفس منطق هذا الصديق، فقد كانت أحوال البلاد معيبة، وكانت تعاني من مشاكل في كافة مرافقها وأجهزتها، فقامت الثورة من أجل أن تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وتصلح ما فسد، وتم تشخيص المشكلة على أنها عيب في النظام الحاكم، واتفق المصريون على المطالبة بتغييره، وكانت التكلفة التي دفعت في سبيل ذلك باهظة؛ أرواح المئات من الشباب، وفوضى أغرقت البلاد لفترة طويلة، ونقص في السلع والخدمات تحمله المصريون بنفوس راضية، ولكن المفاجأة غير السارة أن الدولة ظلت على حالها بعد تغيير النظام، فقد استمرت المعاناة وتفاقمت المشكلات، الأمر الذي جعل الكثيرين يعيدون النظر فيما قاموا به، حتى توهم بعضهم أن الإصرار على تغيير النظام ربما لم يكن قرارا صائباً، وأن العيب ربما لم يكن في النظام الذي رحل، ولكن في أمور أخرى لم يهتدي إليها أحد حتى الآن. وجه الخلل في هذا المنطق يكمن في افتراض أن رئيس الدولة كان قطعة هامة من قطع جهاز الدولة ولكنه لم يكن مسؤولا عما لحق ببقية مكوناتها من عيوب، وهذا أمر مجاف للواقع. فالدافع الذي من أجله نادت الثورة بتغيير النظام تمثل في حقيقة أن الرئيس ونظامه كانا مسؤولين بشكل أو بآخر عن سوء أداء وفشل معظم مكونات جهاز الدولة. ومن ثم فإنه بعد استبعاد الرئيس كان من المتوقع أن تظل الكثير من مرافق الدولة غير عاملة، وأن تظل العديد من المشكلات من دون حل فوري. فاستبعاد النظام القديم لم يكن ليؤدي تلقائيا إلى حل جميع المشاكل التي تراكمت على مدار العهد السابق بفعل سياسات هذا النظام. ولكن التحليل السابق لا يعني أن الجماعة التي حلت محل النظام القديم مبرأة من العيوب، أو غير مسؤولة عن دفع كثير من المصريين إلى التفكير بهذه الطريقة. فقد فشلت الرئاسة وجماعة الإخوان ــ حتى الآن ــ في تقديم برنامج متماسك لإصلاح جهاز الدولة بعد أن تنحى عنها الرئيس السابق ومعظم عناصر نظامه، الأمر الذي يوحي بأن الجماعة لم تكن تمتلك رؤية حقيقية للتغيير، أو أنها على أفضل تقدير لم تكن تعتبر أن النظام القديم نظاما فاشلاً، بقدر ما كانت تعتبره نظاما فاسداً، ومن هنا فإن الرئاسة لم تقدم أكثر من مجموعة من المحسنات الأخلاقية التي تحاول أن تطعم بها أداء المنظومة القديم، ولكنها لم تقدم مشروعا متكاملا يقنع الناس بأن أوضاعهم في سبيلها للتغيير نحو الأفضل. والدليل على ما سبق أن الخطاب السياسي الذي يستخدمه النظام القائم لا يكاد يختلف عما كان يستخدمه النظام القديم، وحالة الانعزال عن المجتمع التي كانت قائمة في ظل النظام السابق مازالت متحققة على نحو مثير للدهشة. أما الحلول التي يقترحها النظام الجديد للمشاكل الاقتصادية فهي نفسها تقريبا ما كان يراهن عليه النظام القديم. وبشكل عام يمكن القول إن نظام الحكم حتى هذه اللحظة لم يقم باختراق حقيقي للمشهد القديم ولم يقدم رؤية يمكن حشد المصريين حولها. إن المصريين بحاجة إلى استشعار تغيير حقيقي يباعد بينهم وبين سياسات وحلول العهد السابق، فمن غير المعقول أن تقوم ثورة ثم يأتي نظام يظهر كما لو كان مجرد نسخة مقلدة من النظام الذي قامت الثورة ضده، هذه الاستمرارية المعيبة ترسخ في وعي كثير من الناس أن شيئا لم يتغير، وربما يكون هذا هو الباعث على الطمأنينة التي تسربت إلى نفس الرئيس السابق في جلسة إعادة محاكمته التي تمت خلال الأيام الماضية، فهو يستشعر أن المصريين قد باتو أكثر اقتناعا بأنه لم يكن الأسوأ، أو أنه ليس السبب فيما يعانونه حاليا، وهذا ليس صحيحا على نحو كامل. إن شيوع حالة من الاستياء بين المصريين من طريقة إدارة الدولة، واحتفاء البعض منهم بالنظام القديم ورموزه، على الرغم مما تثيره من مخاطر فإنها قد تمثل فرصة أمام القوى الثورية الحقيقية لكي تعيد الالتفاف حول أهداف الثورة، فقوى المعارضة التي قادتها معاداتها لنظام الإخوان إلى أن تتحالف مع قوى الثورة المضادة وبقايا النظام القديم، تدرك الآن خطورة الرهان الذي تمارسه، خاصة وهي ترى النظام القديم يعود بثقة إلى المشهد السياسي، كما أن الإخوان يدركون أن فرصهم في الاستمرار في الحكم أصبحت على المحك، فعودة النظام القديم لن تكون في مصلحة أحد، وعلى القائمين بالحكم منهم أن يثبتوا للمصريين بما لا يدع مجال للشك أن تغيير المحرك كان قرارا حكيما ولم يكن مجرد استنزاف لموارد وطاقات شعب آمن بالثورة ودفع ثمنها غاليا.