14 سبتمبر 2025

تسجيل

ثورات العرب.. أزمة ذوق وأخلاق

17 أبريل 2011

علاوة على أزمة الثقة بين الحاكم والمحكوم التي ارتكنت عليها الثورات العربية المعاصرة في بعض أسبابها , ظهر الإنسان العربي الذي سرقت مقدراته وسحلت كرامته غالبا بدم بارد تحت شعارات من الوطنية والتجييش لقضايا الأمة الكبرى ظهر أكثر حنقا وأشجع ممارسة وإلحاحا لكسب حقوقه ولو بسلوك أقل نبلاً ربما لمواجهة الموقف بالمثل أو هي حالة الكبت التي ولدت الانفجار أو كما يقول ميكافيلي " الغاية تبرر الوسيلة " , وتُبدي بعض الآراء المتابعة للأحداث أن لغياب الذوق بمعناه اللفظي اللغوي ومقتضى ممارسته في سلوكيات أفراد ومؤسسات المجتمعات العربية دورا بارزا في صياغة المشهد العربي المتأزم الآن بالمظاهرات والاحتجاجات والمصادمات , فيقول الفيلسوف الألماني نيتشه " الذّوقُ أقوى مِن كُل الأخلاق " نعم فأخلاقٌ بلا ذوق كاللوحةِ بلا برواز ، فالذّوقُ هو من يبرز الأخلاق ويجعل صاحِبها مقبولاً من الآخرين , فقد غيبت مجريات حياتنا اليومية وهمومها ذلك المعنى الإنساني الرفيع بكل مكنونه ومضمونه فظهرت التجاذبات العقيمة وبرز الكذب وغيبت الشفافية في إعلامنا العربي وخطابنا الذي انتهج صيغ الفوقية والإملاء على المستمع فقط دون أن يكون أداة ناقلة للحق ومرآة ليوميات الناس وهموم شارعهم المثخن بالمتاعب والمصاعب المعيشية , فكانت الثورات رغم ما يغذيها من أسباب باطنة وظاهرة هي السبيل إلى الخلاص وأمل الانعتاق من الواقع المؤلم لبعض الشعوب التي خرجت تنادي بالحرية وكسب الحقوق مقدمة التضحيات بأرواح ودماء شبابها مرة بالدهس ومرة تحت أقدم الجمال والخيول ورصاصات البلطجية أو الشبيحة وسيوفهم أو من هم أهل الحبوب المهلوسة على رأي العقيد القذافي ! ليتأصل بيننا غياب الذوق من قمة الهرم وحتى أخمصه ولتدخل أمتنا نفق معتم تاه فيه صدى الكلمة الصادقة مابين حاكم ومعارض مطالب بالتصحيح أو التغيير حسب سقوف المطالب , فهي أزمة ذوق كبيرة بلا شك تتصدر واجهتنا ويتحمل مسئوليتها بقدر كبير أدباء الأمة ومفكروها الذين ارتضوا أن طوعاً أو قسراً أن تتسلل البلطجية إلى صيغ خطابهم ومضمون رأيهم حيث أصطف البعض منهم خلف مزامير الأنظمة وغدو ضمن منظومة جوقاتها وطبولها متناسين دور الكلمة وأمانتها في الذود عن حياض الأمة وصيانة مكتسبات شعوبها وحقوقهم , فكانت لغة القوة وصوت الشارع ومخزون مفرداته هما الأقوى تأثيراً في صياغة ملامح المشهد في شحن الشعوب وتجييشها نحو طموحات قد لا تكون متقنة أو فاعلة لمقتضيات القادم من عمر الشعوب طالما غاب الذوق بمضمونه الشفاف وإيجابياته الجميلة عن تعاملات الناس وسلوكياتهم لتسيير مجريات حياتهم نحو الأفضل , مرة أخرى فالثورات في غياب المهمة التنويرية الصادقة ستظل عرجاء تأتي بالمترديةِ إلى سدةِ الحُكم ومقعد القيادة لتمضي سنة التغيير دون جديد فاعل ودون ضمير حي يعي مهمته تجاه الشعوب فنكون كمن رمم قصراً هرماً متقادماً بنقوش تسر الناظرين دون أن تمس يداه أساسات البناء وقواعده , وهنا يجب أن تسلم راية الفكر ومهمة صياغته تبعاً لمبادئ الأمة والإنسانية عموماً إلى من هو أجدر لا إلى الجهلة والمتسللين ومن يملئ عليهم , بل على رموز الأمة أن يحزموا أمرهم ويشحذوا مخزون فكرهم للعودة بالناس إلى جادة الصواب وتعاطي الذوق في كل جزئيات حياتهم أملا في إشراقة جديدة جلية تعيد الأمة إلى سابق عهدها ومنهج ضميرها الناصع الناصح فلا غلبة لقوة ولا استغلال لنفوذ ولا تدليس في كلمة أو مهمة لعمل يناط بأي منا حاكما أو محكوما بل نجعل من الفضيلة سلوكا عاما وناصية للجميع فيقول الإمام مالك " لن تصلح الأمة إلا بما صلح به أولها " والصلاح في تعميم الصدق والأمانة في الذمة والعهد كل في نفسه وفيما أنيط له من شأن وما صلح أول الأمة وعلى شأنها إلا بمكارم أخلاق أهلها حسبما أخذوا من معلمنا الأول سيد البشرية علية الصلاة والسلام والذي قال " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . [email protected]