15 أكتوبر 2025

تسجيل

الدبلوماسية الاقتصادية القطرية

17 مارس 2019

قطر تتصدر قائمة الدول الأغنى في العالم ربما يكون جديدا بعض الشيء مصطلح الدبلوماسية الاقتصادية القطرية، لكنه في الحقيقة قديم، فالعمل الدبلوماسي غايته إما التعاون السياسي أو حل الأزمات أو بناء الاتفاقات والشراكات. والناظر للدبلوماسية الاقتصادية القطرية يراها أخذت مراحل تطور مهمة، فمنذ نهاية التسعينات سعت قطر لتفعيل علاقاتها بشكل إيجابي مع دول العالم الخارجي واستطاعت بناء استثمارات ضخمة في كثير من دول العالم، هذه الاستثمارات كانت تخضع في الماضي لتوازنات إقليمية مع محيط قطر بدول مجلس التعاون الخليجي، تحت وهم "التكامل الاقتصادي"، لكن بعد الأزمة الخليجية برزت هذه الاستثمارات كقوة ناعمة استطاعت قطر توظيفها بشكل متميز، فأي عدوان لن يكون على قطر فقط، بل على مصالح دول العالم التي تربطها بقطر علاقات واتفاقات وتحالفات..هذا من ناحية ومن ناحية أخى استطاعت الدوحة بوفائها بالعقود والاتفاقات في هذه الأزمة غير المسبوقة أن تعطي ثقة للمستثمرين الذين راقبوا الوضع السياسي بعد الأزمة فوجدوا أن قطر استطاعت أن تجد بدائل عن دول الحصار، كما أنها طورت في بنيتها التحتية وحدثت في منظومتها التشريعية، فباتت بيئة جاذبة للاستثمار.. هذا الانطباع العالمي رسخته الزيارات الدبلوماسية للقيادة القطرية بداية من زيارات سمو أمير البلاد المفدى -حفظه الله- ومرورا بزيارات المسؤولين، ولم تخل زيارة من اتفاقات وشراكات، بل تعدى الأمر لظاهرة الحوار الاستراتيجي الذي يعني أن هناك اتفاقيات وتحالفات وتعاونا طويل الأمد في أكثر من مجال، لقد بدأ الحوار الاستراتيجي القطري مع الولايات المتحدة ثم الصين ثم اليابان وغيرها من الدول بالإضافة لمنتديات الاستثمار ومجالس الأعمال، كمنتدى الاستثمار القطري الألماني والبريطاني والباكستاني والروسي...إلخ.. إن القارئ لهذه الدبلوماسية الاقتصادية يستطيع أن يستشرف مستقبل قطر على النحو التالي: أولا: بالنظر لطبيعة الاتفاقيات يجد أنها تتوزع في كل دول العالم وقاراته، وهذا التنوع يرفد الاقتصاد الوطني بخبرات متنوعة وثقافات متباينة، واستقرارا في الدخل من هذه الاستثمارات.. ثانيا: هذه الاتفاقيات تعزز ما أكدناه من ضرورة الانفتاح الاقتصادي على كل دول العالم باعتبار أن الفوائض المالية القطرية لا يمكن أن يستوعبها السوق المحلي. ثالثا: لقد اختارت قطر القوى العظمى لتكون استثماراتها فيها متوازنة، وهذا يعزز من الدور السياسي القطري، ذلك الدور الذي جعل من قطر وسيطا نزيها في حل النزاعات الدولية، فعلى سبيل المثال: وساطتها في أفغانستان بين قوى عظمى وهي أمريكا وحركة مسلحة وهي طالبان، واتفاق الطرفين على أن تكون الدوحة وسيطا، يعني أن قطر لها مصداقية عند جميع الأطراف صغيرها وكبيرها، ولها خبرة واقتصاد تستطيع توظيفه بشكل جيد لصالح الأمن والسلم الدوليين. رابعا: إن الانفتاح القطري على العالم صاحبه تطوير في البنية التحتية الداخلية وإعادة هيكلة النظم الإدارية وتحديث النظم التشريعية، وكان الحافز في ذلك استحقاق قطر لمونديال كأس العالم الذي مثل قاطرة لمشاريع ضخمة ما كان لها أن تسير بهذه الوتيرة المتسارعة في الظروف العادية، ومثل قاطرة للتحول الاقتصادي والانفتاح على العالم، فضلا عن أن الأزمة الخليجية أعطت نوعا من التحدي ونفخت في المجتمع روح الاعتماد على الذات، فأصبح المجتمع متلاحما مع بعضه البعض، واقدر على تطوير رؤيته، وهذا الاستقرار الداخلي بات محط أنظار العالم الذي يراقب بلدا فرض عليها الحصار، وهي في الوقت نفسه مكلفة بتنظيم كأس العالم، فهي إذا في تحدٍ وجودي، هذا التحدي الذي نجحت فيه قطر جعلها مصدر ثقة المستثمر، ومكن الدوحة من توقيع كم كبير من الاتفاقات والشراكات في فترة وجيزة. خامسا: الدبلوماسية القطرية كانت تهدف في البداية إلى إيجاد حلول عاجلة للحصار، فواجهتها السياسية كسرت الحصار المفروض على قطر برا وبحرا وجوا، وإفشال رباعي الأزمة الخليجية في التأثير على الدول لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، حتى إن بعض الدول تراجعت بتأثير من دول الحصار عن قرار سحب سفرائها وعادت إلى الدوحة كالسنغال مثلا..هذا كان أحد الأهداف الأولية للدبلوماسية القطرية التي سعت أيضا لإيجاد بدائل سريعة للسوق القطرية، ونجحت في ذلك بشكل كبير ليصل معدل النمو في نهاية عام 2018 إلى 2.8 %. ولتتصدر قطر قائمة الدول الأغنى في العالم رغم هذا الحصار هذه الأهداف العاجلة قد تحققت وبقيت الأهداف الآجلة بعيدة الأمد التي تجعل قطر قوة ناعمة في الاقتصاد، بفضل دبلوماسياتها الاقتصادية الناجحة.. إن هذه النظرة العامة للدبلوماسية القطرية تحتاج إلى دراسات تفصيلية في طبيعة الاتفاقات القطرية خلال الأزمة الخليحية وتأثيراتها المتوقعة على الاقتصاد الوطني وهذا سيكون على طاولة البحث إن شاء الله حسب حجم هذه الاتفاقيات والاستثمارات والعوائد المنتظرة في تحقيقها. إن هذه النظرة العامة للدبلوماسية القطرية تحتاج إلى دراسات تفصيلية في طبيعة الاتفاقات القطرية خلال الأزمة الخليحية وتأثيراتها المتوقعة على الاقتصاد الوطني وهذا سيكون على طاولة البحث إن شاء الله حسب حجم هذه الاتفاقيات والاستثمارات والعوائد المنتظرة في تحقيقها. [email protected]