15 سبتمبر 2025
تسجيليظن البعض أن الجامعة العربية في هذا الزمن الذي يميزه الانفكاك الفكري والسياسي بين مكوناتها وفي ظل ميثاقها غير الفاعل ليست أكثر من منبر (حكي) وجسم هزيل بلا قيمة حقيقية له، بالتالي فرئاسة " أبو الغيط " لأمانتها العامة -والحال هذه وأيا كانت ولاءاته وهويته- لا تعني شيئا وأنه يتساوى أن يتأمن عليها أمين أو خؤون وأن يكون نبيل العربي أو أبو الغيط أو نتنياهو لو قدر له في يوم من الأيام أن يتبوأها.. وأقول: ليس هذا بصحيح ؛ والواقع البائس للجامعة ليس دليلا على عدم قيمتها إن أريد لها أن تصير ذات قيمة وأريد تسليحها بميثاق مؤثر ومحكمة وقوة عسكرية كما طالب نبيل العربي في خطابه الأخير.. فالذين اختاروا " أبو الغيط " سواء الدوائر الخارجية أو الداخلية هم من أمات الجامعة وبالتأكيد هم من يحييها ويجعلها فاعلة إن شاءوا ؛ وقد رأينا مثيل ذلك يوم أماتوا في عهد مرسي أجهزة الأمن المصرية التي تتجاوز الثلاثة ملايين بين جيش ومخابرات وشرطة وبلطجية حتى عجزت عن مواجهة عشرة من "البلاك بلوك" يعتدون على القصر الجمهوري أو يغلقون ميدان التحرير؛ كما رأينا ذات الأجهزة تصير لها قوة وشجاعة ويعاد تأهيلها لتقتل الآلاف وتعتقل عشرات الآلاف وتحرق المساجد وتهتك الأعراض وتفرق المظاهرات المليونية في سياق دعم الانقلاب وإعطائه صفة الدموية!! وإذن فموات الجامعة في وضعها الحالي أو السابق ليس دليلا على عدم قدرتها بالمطلق ولا على عدم خطورة تعيين "أبو الغيط" أمينا لها، ويجعل الارتكان إلى هذا التوقع أقرب إلى السطحية وإلى التحليل الأمنياتي الرغائبي.وإذن فالترجيحات تقول إن المنطقة والجامعة والحالة العربية كلها – في ضوء هذا التعيين وطريقته والتوافق عليه قد تكون مقبلة على تغييرات كثيرة وكبيرة، ما يقتضي من النخب والسياسيين المحترمين والكتّاب والإعلاميين ومؤسسات المجتمع المدني أن يرصدوا القادم وأن يأخذوا خطورته على محمل الجد، وأن يتحركوا للجم أهواء ونزوات هذا الموقع واتجاهاته ومن يمكن أن يدزوه بالخيانة والشر..متوقع تفصيلا أن تكون الجامعة العربية في عهد "أبو الغيط" أكثر تطرفا في مواجهة المقاومة، وأكثر انحيازا ضد حراكات الشعوب، وأكثر تناقضا مع اتجاهات التحرر والاستقلال التي بشرت بها ثورات الربيع العربي، وأكثر توغلا في تقطيع الأمة مذهبيا وإثنيا، وأن تقدم التغطيات السياسية لصهينة بعض النظم، ولمخططات التقسيم الجديد لدول المنطقة الذي باتت تتحدث عنه دوائر إعلامية وسياسية غربية وأممية صراحة.. وبالمجمل فإن اختيار "أبو الغيط" أمينا لهذه الجامعة يعني أنها ستتحول جزءا من الدبلوماسية الصهيونية مباشرة.ولعل من المناسب أن أنوه هنا بجملة سلوكات لـ"أبو الغيط" تدلل على شخصه واتجاهاته وتبرر ما نحوت له في تقييمه وتقدير مقبلات مرحلته؛ وفي هذا السياق أذكر بأنه التحق بالسلك الدبلوماسي المصري منذ الـ1965 يوم كان عمره 23 سنة مما يعني أنه تربى وعاش في كنف نظم الفساد والاستبداد ورضع لبانها وكان أحد راسمي سياستها، وهو أحد صانعي اتفاقية كامب ديفيد 1979 التي رهنت مصر للعدو الصهيوني..وقد تقلد وزارة الخارجية للساقط حسني من 2004 حتى سقوطه في 2011، وكانت في ضيافته بوزارة الخارجية "تسيبي ليفني" وزيرة خارجية العدو يوم أعلنت حربها على الشعب الفلسطيني في 2008، وهو الذي جاهر بأنه خرب محاولة قطر عقد قمة عربية لإدانة ذلك العدوان، وأخيرا فهو الذي هدد الفلسطينيين بتكسير أرجلهم إن فكروا في اللجوء لإخوانهم في مصر كما لجأوا مرة قبل ذلك.آخر القول: اختيار أبو الغيط أمينا لجامعة الدول العربية قد يكون أسوأ مشهد سياسي يجمع كل الخزي الرسمي العربي في هذه الفترة، وما كان هذا السوء ليحدث لو أن الثورات العربية الشعبية استقرت في الحكم، وعليه فكل الجرائم والخطايا الاستراتيجية التي سيقود أبو الغيط الجامعة لها تقع مسؤوليتها الدينية والقومية والوطنية على من أفسدوا الربيع العربي أولا الذين لا يقفون في وجوههم ثانيا.