29 أكتوبر 2025
تسجيلكلام .. كلام .. كلام .. في الصحف كلام، في الراديو كلام، في التليفزيون كلام، وأنت الهدف، أنت المتلقي المغلوب على أمره ولا حيلة له إلا الاستماع، أو أن تجلس محملقاً لشاشة تحمل لك أعجب خليط لآراء مذيعين، ومنظرين، ونشطاء، ومرشحين، ووزراء، وكبراء، وضيوف مستعدين للحديث حتى صياح الديك في أي موضوع، وكل يقدم رؤيته، وتنظيره، وأسانيده، وتأكيداته، ثم يدخل على الخط كائن اسمه "الشعب" يحاول أن يفهم! لكنه في لحظة يرتفع فيها سكره وضغطه يرفع الراية ليقول مش فاهم حاجة! أين الصدق؟ أين الحقيقة؟ ومن الكاذب؟ تتوالى الأسئلة وقد استبدت الحيرة وتعملقت علامة الاستفهام لتصبح أطول من الإمبايرستيت! من أسئلة الكائن الذي اسمه الشعب الحائر مثلاً.. سيد قطب هل هو الشهيد الذي أعدم فداء لا إله إلا الله، أم هو الشيطان المخرب الذي كان إعدامه جزاءً وفاقا لما فعل أو ما كان سوف يفعل؟ عبدالناصر هل هو الزعيم الملهم حبيب الملايين أم الدكتاتور الذي مات وفي رقبته دماء كثيرة؟السادات هل هو حقاً أعظم رئيس حكم مصر، أم أنه صاحب اتفاقية كامب ديفيد المجحفة التي ضيّعت حقوق مصر وكان قتله قصاصاً عادلاً لما ضيَّع؟د. محمد مرسي "حافظ القرآن" هل كان رئيساً يتقي الله وحاول رفع مصر إلى ما تستحقه من مكانة فعاكسه الكارهون أم الإرهابي المخرب الجاسوس الذي يستحق أن يكون وراء القضبان؟حماس هل تنظيم إرهابي أم هي رمز المقاومة الباسلة التي طالما احتفى بنضالها العالم العربي كله؟مبارك هل كان الرئيس الذي أفقر مصر، ونهب مقدراتها، أم كان حامي حمى مصر ومكمم الفوضى؟ ضاحي خلفان هل هو الرجل الذي أقسم ألا يتراجع حتى يتم القبض على آخر قتلة المبحوح تضامناً مع حماس، أم أنه العارف بكل حكاية الاغتيال وخفاياها وقد استفاد منها في صناعة نجوميته وقد ظهر المخفي عندما وصف حماس بالإرهابية؟السعودية، الإمارات، الكويت، هل يدفعون المليارات لأنهم أشقاء مصر في المحنة والوقت العصيب و(الجيب الواحد) أم أن لهم حساباتهم ووراء الأكمة ما وراءها؟ هل صحيح أن الاقتصاد المصري يتعافى وقد بدأت الاستثمارات تعود وتنتعش كما يقول ضيوف البرامج أم أن الاقتصاد قد انهار فعلاً ولا سبيل لإقامته الآن لا باستثمارات ولا بما يقدمه الثلاثي البار من مليارات؟ هل السجون نظيفة فعلاً من التعذيب والتشريفة كذب، والعروسة كذب كما يقول المسؤولون أم أن في السجون كما يقول الشاكون ترهيباً، وتعذيباً يصل إلى حد القتل والاغتصاب؟البلتاجي وبديع هل قتلا المتظاهرين أم أن لهما حق مقاضاة الذين قتلوا أولادهما في مظاهرات سلمية؟ سيادة القانون هل هي سارية على الجميع أم أن القانون مراوغ مرة مع ومرة ضد؟ إسرائيل هل هي دولة عدوة أم أنها دولة صديقة نستورد منها السلاح كما قال الضيف (اللواء) منذ يومين؟ أمريكا هل تغضب لانتهاك حقوق الإنسان وتسعى حقاً لإرساء دعائم الديمقراطية كما تقول، أم أنها أساس كل الحرائق، وكل (البلاوي) في مصر؟ أمريكا هل تعادي إيران حقيقة وتتربص بها، أم أن إعلان الكراهية تمثيلية بينما الحقيقة أنهما سمن على عسل؟ هل ضم جميع المساجد والزوايا لرقابة وزارة الأوقاف رغبة من الدولة في تنحية الدين عن السياسة، أم لتيسير اعتقال اللي عليهم العين؟ هل صحيح لن ينصلح الحال في مصر، إلا بعد خروج السيسي من المشهد، أم أن السيسي هو المنقذ والمخلص لكل أوجاع مصر؟عدم ترشح سامي عنان هل جاء لمصلحة الوطن العليا كما قال، أم أن امتناعه كان امتناع الرجل الذي كان يطمع في السلطة ولما وجد أن الوصول إليها صعب انسحب حفظاً لماء الوجه؟ السيسي هل هو كما قال أحدهم (راجل بتاع ربنا ومتدين)، أم أنه المتجبر الذي لا يبالي بقتل الشباب في سبيل الكرسي، كما قال أحدهم؟ كل هذه الأسئلة وأكثر منها تشغل الكائن الذي اسمه الشعب المنقسم العاجز عن الفرز أو الفهم كلما قرأ، أو سمع، أو جلس أمام البوصات الملونة لتبث أحداثاً متباينة، ووجهات نظر متضاربة، وأرقاماً مغلوطة، وتراشقاً بين اثنين يقول كل واحد فيه للآخر أنت (كداب)! واللهم احفظ مصر، اللهم الهم الكائن الذي اسمه الشعب صبراً جميلاً طويلاً. * * * طبقات فوق الهمس* استوقفني جداً أن تعرض العاصمة فيينا هذا الأسبوع فيلم (عندما يعود الأطفال) وهو من واقع الأطفال الفلسطينيين الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي والذين يتجاوز عددهم مائة وعشرين طفلاً، وأن تعرض أيضاً رسوم أطفال فلسطينيين كانوا أسرى في سجون الاحتلال، ثم عادوا إلى قراهم!أسأل: أين العالم العربي كله من القضية الفلسطينية الآن أين الدعم؟ أين المساندة؟ بل أين القضية برمتها وقد أصبحت الغارات الإسرائيلية خبزاً يومياً لغزة، بل وقد أصبح أطفال غزة أهدافاً للصواريخ وعرضة بين كل ساعة وساعة للموت؟ لك التحية يا (فيينا) ولكم الصبر يا أطفال غزة، ولنا أن نشعر بالخجل وقد تخلينا عن النصرة بعدما كنا نقول غزة العزة!!* إسرائيل تخرق التهدئة المصرية وتقصف مواقع عسكرية ومدنية بل وتنتقد مطالبة عباس بوقف العدوان، ولها أن تقتل، وتغير، وتحتل، وتدنس الأقصى كما تشاء، فالعرب مشغولون، وكل يغني على ليلاه.