17 سبتمبر 2025
تسجيلطرحت سيطرة الجيش السوري على مدينتي حمص وإدلب وجوارهما واستمرار مطاردة منشقي " جيش سوريا الحرة" معضلة إضافية على المواقف التركية من الأزمة السورية بعد مرور عام على بدء الثورة هناك. وبدا واضحا للجميع أن أنقرة منذ بدء الأزمة كانت في طليعة المتدخلين في الشأن السوري من أجل البحث في حلول لها. ووصل الأمر برئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان إلى اعتبار الشأن السوري شأنا داخليا تركيا. ولم يعرف أحد حتى الآن كيف تترجم أنقرة هذه النظرة. هل بالتوسط بين أطراف الصراع أم بالانحياز للمعارضة أم بصيغة ثالثة؟ لم تكن تركيا غير محقة عندما حذّرت من انعكاس الوضع في سوريا على أمنها الداخلي. ولاسيَّما إذا ما تطورت الأوضاع في سوريا إلى حرب أهلية وإلى صدامات مذهبية واتنية حيث ستكون تركيا الأكثر تأثرا نظرا لتشابه البنية الاجتماعية فيها مع البنية السورية. مع تسجيل مفارقة هنا أنه رغم علمانية النظام في تركيا ورغم تقدمه على طريق الديمقراطية، وهما علامتا النموذج التركي الذي يروّج له، فإن الحساسيات الاتنية والمذهبية في تركيا أكبر وأعلى وأخطر منها في أي بلد إسلامي آخر. وإن دل هذا على شيء فعلى أن النظام في تركيا ليس علمانيا ولا ديمقراطيا بالمعنى الفعلي. تخوّف تركيا من الأزمة السورية إذا في محله. لكن المشكلة الأساسية التي واجهتها تركيا منذ البداية أنها افتقدت الصبر والحنكة والتعقل في كيفية النظرة إلى الأزمة. فكان الاستعجال سمة كل شيء في السلوك التركي تجاه سوريا ومن استعجل الشيء عوقب بحرمانه منه. أرادت أنقرة، محقة، أن يبادر الرئيس السوري بشار الأسد إلى إصلاحات شاملة في النظام، لكنها كانت تطلب المستحيل أو ما يشبهه عندما كانت تريد من نظام مؤسساته متعفنة أن يقوم بإصلاح نفسه في فترة زمنية قصيرة جدا لا تتجاوز الأسابيع أو الأشهر. وهذا يعني عمليا دفعه للانتحار وهو ما لا يقبله. فكيف تريد أنقرة من دمشق إصلاحا شاملا أو حتى جزئيا خلال أقل من سنة فيما استغرق إنهاء نفوذ المؤسسة العسكرية في السياسية في تركيا ثماني سنوات كاملة قبل أن تنجح في ذلك في استفتاء 12 سبتمبر2010 ؟ وفيما لم تنجح حتى الآن التقدم خطوة واحدة في حل المشكلتين الكردية والعلوية ولا في إعادة فتح مجرد مدرسة دينية واحدة للرهبان المسيحيين قرب اسطنبول أغلقت قبل خمسين عاما. لم تصبر تركيا على النظام السوري فبادرت وفي وقت مبكر جدا إلى الانحياز الكامل لطرف دون آخر عندما احتضنت المعارضة السورية السياسية التي في الخارج أولا بكل أطيافها ونظمت لهم مؤتمرا بعد شهر واحد على بدء الأزمة تلاها مؤتمرات متعددة حيث أبصر المجلس الوطني السوري من اسطنبول بالذات. وهو ما نزع ثقة دمشق في نوايا أنقرة. ولم تكتف أنقرة بذلك بل انحازت إلى أطراف معينة من المعارضة دون أخرى عندما تجاهلت رموز المعارضة في الداخل مثل حسن عبدالعظيم وميشال كيلو وغيرهم ولم تسع إلى التواصل معهم. فمن قال إن قادة المجلس الوطني السوري هم أكثر وطنية من عبدالعظيم وكيلو ومن شابههما؟ وأضافت تركيا إلى احتضانها المعارضة السياسية وإيوائها وتوفير كل المساعدات للجيش السوري الحر المنشق بقيادة رياض الأسعد. فكان هذا أخطر من احتضان المعارضة السياسية وتحوّلت تركيا إلى طرف مباشر في الصراع. اليوم مر عام على الثورة في سوريا التي تداخلت فيها مع الوقت كل أنواع الصراعات الإقليمية والدولية وما عاد ممكنا الحديث عن ثورة أو أزمة بل عن صراع دولي على سوريا. وهذا ما زاد الأزمة تعقيدا. حتى إذا بدأ البحث عن طرف ثالث موثوق من الجميع لم يعثر أحد عليه لا إقليميا ولا دوليا. وهو بالضبط ما كانت تركيا قادرة على القيام به نظرا لكون علاقاتها كانت جيدة مع كل الأطراف من دون أن يعني حيادها أنها ضد الثورة ومع النظام. لكن في العلاقات الدولية يبقى مكان لقوة ثالثة هو بالضبط ما كانت تركيا تقوم به قبل الربيع العربي الدامي في التوسط في النزاعات بين الدول وداخلها. اليوم بعد مرور عام على الثورة السورية تجد تركيا نفسها خالية الوفاض وفي مأزق وصبرها الذي نفذ عشرات المرات لم يجد أحد يترجمه. تنظر تركيا اليوم فتجد مجلسا وطنيا سوريا مفككا وجيشا سوريا حرا لم يستطع أن يحقق أي إنجاز. والنظام لا يزال في مكانه وهي، تركيا، غير قادرة على التحرك كطرف ذي ثقة. وإذا كان من أطراف يمكن تبرير مواقفها بالصراعات داخل البيت العربي، فهو ما ليس مبررا لتركيا التي خسرت جوارها الجغرافي المباشر من جهة فيما لا يمكن أن تؤسس لتكون لاعبا إقليميا أساسيا عبر الانخراط في اصطفافات لا تجلب سوى الارتدادات السلبية في منطقة الهشاشة هي سمة بناها الأساسية.