19 سبتمبر 2025
تسجيلجدل واسع استعر في السودان بعد توقيع ما عرف بالاتفاق الإطاري بين جوبا والخرطوم حول الحريات الأربع حيث أقر الاتفاق الذي وقعه ممثلو البلدين في أديس أبابا بمنح الجنوبيين المقيمين بالسودان حق الحصول على كافة الأوراق الثبوتية التي تمكنهم من البقاء في السودان وحق التمتع بالمواطنة بالشمال. أقسى هجوم على الاتفاق شنه منبر السلام العادل وهو حزب شمالي كان يدعو صراحة لفصل الجنوب وأقام المهرجانات فرحا حين وقع الانفصال.. الاتفاق بالنسبة للحزب المتشدد (نكسة) تشبه نكسة العرب في العام 1967م حين هزمت إسرائيل العرب في ذلك العام الذي سمي بعام النكسة.. بيان (عنيف) أصدره الحزب الذي يترأسه خال الرئيس البشير وصاحب الصحيفة الأعلى توزيعا، فقد تضمن البيان عبارات قاسية وجاء في صدر البيان: "إنه الانبطاح يأتينا في ثوب جديد بل إنها نيفاشا (2) وربِّ الكعبة تتسربل بزي آخر وتُبرَم خارج السودان على أيدي ذات الأعداء وإن أتوا بوجوه جديدة تحت الضغط الأمريكي الذي ذُقنا زقُّومه المُر في نيفاشا حيث يتحرّك الكونجرس بنفس الوجوه القديمة مستخدماً نفس العصا". أعتقد أن الاتفاق مستفز لحد بعيد للشعب السوداني خاصة في ظل تعبئة بدأت ضد دولة جنوب السودان التي تخوض حربا بالوكالة ضد السودان في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحدوديتين.. إنه قفزة متسرعة في ظلام القضايا العالقة التي لم تحسم وهي قضايا مهمة كالنفط والحدود المشتعلة بين الطرفين.. الغريب أن عضو الحركة الشعبية السابق وهو شمالي غازي سليمان المحامي اعتبر أن الحكومة السودانية توقع اتفاقيات قد تصب في مصلحة إسرائيل، وقال إن الاتفاق يمكِّن الموساد من التغلغل في السودان وتنفيذ مخططاته الصهيونية.. وذهب غازي بعيدا ليؤكد بأن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في أديس أبابا تفريط صريح في سلامة واستقرار وأمن واقتصاد ودين وثقافة جمهورية السودان (الشمالي). الفكاهة عنصر أصيل في الأدب السياسي وعبر الفكاهة المصرية وصلتنا الكثير من الرسائل القوية.. من الطُرف والقصص الفكاهية ذات المدلول السياسي العميق التي أفرزتها الثورة المصرية تلك اليافطة التي رفعها بعض المتظاهرين والتي تقول موجهة الكلام للرئيس السابق مبارك (نحن نقابة النجارين نسأل: ما هو نوع الغراء الذي تستخدمه) في إشارة ذكية إلى تمسكه وتشبثه بكرسي الحكم رغم المظاهرات والاحتجاجات العنيفة.. نحن بدورنا نقول للحركة الشعبية التي تحكم دولة الجنوب وهي التي عزفت الألحان وسيرت المسيرات لانفصال الجنوب (ما هو نوع الغراء الذي تستخدمينه؟) عجبت لتمسك الحركة الشعبية بالبقاء في الشمال بأي طريقة واللهث وراء أي مسوغ.. إن المرء ليعجب ويظن تأسيسا على مواقفها العنصرية والعدائية تجاه كل ما هو شمالي أنها سوف تطلق الشمال فور إعلان الانفصال وتدعو مواطنيها في الشمال الذين تقارب أعدادهم مليون نسمة للعودة لجنة دولتهم الجديدة لكن يبدو أن لديها نوعا نادرا من (الغراء) تستحق أن يسجل باسمها (ماركة) خاصة. ما يثير الهواجس فعلا علاقة دولة الجنوب بإسرائيل وحتى قبل الانفصال حين رفض نواب الحركة الشعبية في البرلمان السوداني التصويت على بيان بشأن إدانة مجازر غزة، فلم تكن صور عذاب أطفال ونساء غزة التي ارتفعت وتفوقت على كل خيال تعني الحركة في شيء.. غزة أيتها (الحركة) لم تخسر شيئا لكنك خسرت كثيرا بذلك الموقف المتخاذل. ربما تسعد الخرطوم بترحيب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالاتفاق لكنها قطعا لن تسعد بأي ترحيب داخلي بالاتفاق وربما أضطر الرئيس البشير إلى إلغائه تحت الضغط الإعلامي والشعبي المناوئ مثلما حدث مع ما عرف باتفاق أديس أبابا الذي كان قد أعطى الحركة الشعبيىة قطاع الشمال (متمردي النيل الأزرق وجنوب كردفان وضعا مميزا يحتفظون فيه بقوات عسكرية).