15 سبتمبر 2025
تسجيلواضح أن دول الغرب عموما تتلكأ في حسم موقفها ضد (أو مع) القذافي وضد أو مع الثورة عليه، وبدأنا نرصد تصريحات لبعضهم تفعل فعل الحرب النفسية التيئيسية على الثوار والثورة.. كقولهم: إن القذافي سيستمر لفترة طويلة، وأن عزلته الدولية ستستمر لبعض الوقت! - لاحظ عبارة " لبعض الوقت " وانظر لما توحيه من طمأنة للقذافي! البعض منا يبدي استياءه من ذلك وكأنه كان يتوقع شيئا آخر ومصداقية أعلى لدى الغرب! والبعض الآخر يتساءل عن موقف الغرب هذا ويضعه في الميزان المصالحي المجرد فيقول: إذا كان الغرب يطمع في بلادنا ويسيل لعابه على العودة للاستعمار.. فلماذا لا يقود حربا على القذافي كما كان متوقعا دائما، وكما فعل في مرات سابقة؟ وإذا كان أحد أهم دوافع الثورات العربية – والليبية جزء منها – ما يمارسه الغرب من سياسات وما يتخذه من مواقف تتعلق بنا وكانت بناء على ذلك الخصومة بيننا وبينه مفتوحة على كل الجهات والاحتمالات، وإذا كانت كلمة الشعوب في المرحلة القادمة هي الأعلى؛ فلماذا لا يتجنب – هذا الغرب – عداوة هذه الشعوب والثورات؟ ولماذا لا يقول للثورة وللشعب الليبي ولشعوبنا من حوله إنه مستعد لفتح صفحة جديدة ولإقامة نوعية أخرى من العلاقات قائمة على الود وتبادل المصالح؟ وإذا كان القذافي قد سقط حكما واعتبارا وأصبح بقاؤه في سدة الحكم ليس أكثر من هامش زمني سيكون مليئا بالكر والفر وعدم الاستقرار؛ فلماذا لا يستغلون الفرصة للتواصل مع الثوار واستباق أن تتحول ليبيا إلى رأس حربة ضدهم باعتبار المكان الذي تتبوأه في خاصرة المتوسط؟. بعض آخر منا يتساءل وكأنه يستحضر الشخصية الغربية الانتهازية والروح الصليبية التي رسمها أو التي كشفها بوش الابن فيقول: أليست الفرصة سانحة وهذا الطريق قد صار ممهدا لتدخل غربي ثم لتسلل عسكري شامل بمباركة من الجامعة العربية وحتى من الثوار أنفسهم الذين لم يعودوا يعترضون على فرض حظر جوي غربي على ليبيا؟ وهل النفط الليبي أقل جودة أو جدوى أو إغراء من نفط العراق؟ وأقول: عدة حقائق ينبغي تذكرها وتدقيقها هنا: 1- أن الثورات العربية في ليبيا وغيرها هي في الواقع ثورات ليست على القذافي وحسني وبن علي وعلي فقط أو شخصيا، ولا هي على الظلم والفساد والاستبداد الداخلي فقط؛ ولكنها ثورات على كل الزعماء الذين يقيمون نظمهم على الاستبداد والقمع الداخلي والخنوع والمهانة على المستوى الخارجي.. من ينظر إلى الأمور من هذه الزاوية يرى حتما الغرب في صف النظم لا في صف الشعوب ويلمس جدية تخوف الغرب من الغرب علاقات وسياسات مستقبلية تقوم على الندية والاحترام بدل الاتباع والطاعة.. وعليه فمن يترجى دعم الغرب لهذه الثورات أو يتوقعه فإنما منطقه كمن يترجى أو يتوقع من حسني وبن علي والقذافي أن يدعموا الثورات عليهم. 2- لا يجوز أن تتلوث هذه الثورات بدعم الغرب أو حتى محاولة خطب رضاه فذلك شائن لها مفسد لوطنيتها ناف لالتفاف الشعوب حولها.. ولا تجوز الغفلة عن أن هذا الغرب ليس جمعية خيرية وبالأخص إذا تعلق الأمر بنا وبقضايانا وحقوقنا وإصلاحاتنا.. ولنلحظ الثورة الفلسطينية – الأطول في التاريخ الحديث والتي تواجه العدو الذي لا يختلف اثنان على عداوته – وكيف تبدل حالها وإلام انتهى مآلها عندما قبلت أن ترتب أولوياتها وفق أطروحات النسبية والمقايضة.. وتلقت بناء على ذلك الدعوم الملوثة بالإملاءات.. إذن فالثورات العربية يجب أن تبقى ناصعة مطلقة (وبالأخص في جيلها الأول). 3- الغرب عاجلا أم آجلا سيعترف بالحقيقة، وسيفهم أن شعوبنا لم تعد تقبل بالكثير الذي كانت تقبله، وأنها تحتاج للكثير من بادرات وإجراءات حسن النية وإلى الكثير من الوقت ليجلو وحر قرون من العنف والعداء.. وأن التدخل المباشر وغير المباشر لتنصيب (الزلم) والنظم التي تقدم لهم - للغرب - كل شيء فقد ولى زمانه وانتهى وأنها اليوم حتى لو بقيت فهي تداري رأسها.. 4- أن جزءا من عدم تدخل الغرب في ليبيا هو نتاج خلاصة تجربة التدخل – الغزو – في العراق وأفغانستان وهو ما ينبغي استثماره وتعميق أثره في الوجدان الغربي وعدم الاستهانة به.. وذلك يعني أن الأولوية يجب أن تبقى لتدخل عربي ولا بأس أن يكون مدعوما لوجيستيا من أي جهة خارج نطاق مجلس الأمن والقانون الدولي حتى في حالته البائسة.. النظم العربية هنا على المحك ولربما يكون تعاملها مع المشكل الليبي معيارا ومقياسا لوطنيتها ولتحديد قربها أو بعدها عن احتمالات الثورة عليها.. الثورة الليبية عليها أن تكون أكثر حدية وجدية في رفض التدخل الغربي المباشر المندفع ذاتيا من دون غطاء أممي وقانوني والمستقل عن التدخل العربي مهما كانت الاعتبارات أو الاجتهادات أو الخسارات.. فذلك مقتل للقيم الثورية التي تقوم وتنطلق عليها كل الثورات.. والسبب هنا بسيط وواضح هو أننا لا نأمن الغرب على بلادنا ولا نأمن ضبط وفرز الدوافع والمديات التي يمكن أن ينطلق أو يصل إليها تدخله.. 5- الغرب استمر في عداوتنا منذ ألف وأربعمائة سنة حتى الآن، واحتل بلادنا وبدد وحدتنا وأزال ملكنا وخلافتنا الراشدة ذات يوم (قريب) وهو الذي أقام الكيان الصهيوني الغاصب من دون أدنى وجه حق ودعمه وعززه في كل ما هو ضد وجودنا وضد مصالحنا، وهو الذي رعى نظما متهرئة جارت علينا وأفسدت ذات بيننا، وزور الانتخابات الأفغانية ورفض نتائج الانتخابات الفلسطينية ودعم تزوير نظام (الساقط) حسني مبارك، ولا يزال يدعم نظما أخرى ليست أقل فسادا واستبدادا ممن لم تصله الطاحون بعد.. والغرب بمعناه الرسمي ونظمه وأحزابه (المتحكمة تحديدا) هو الذي يدير علينا حربا وعدوانا شاملا مباشرا في فلسطين والعراق وأفغانستان وغير مباشر في طول بلادنا وعرضها وتحت عناوين كثيرة، وهو الذي ينتهك القانون الإنساني والأخلاقي في سجونه (جوانتنامو وأبو غريب) ويستخدم الفيتو ضد كل قرار فيه رائحة إنصاف لنا، ويفتح علينا أبواب الشر تباعا من قضية الحجاب إلى المآذن إلى الرسوم المسيئة إلى تصريحات بابا الفاتيكان.. وسلسلة طويلة جدا مما لا يمكن حصره من أوجه ونماذج وأنماط السلوك العدواني.. 6- يخطئ من يتوهم أن الغرب يمكن أن ينحكم أو يتحاكم لقانون أو لأخلاق أو أنه قد غير عقيدته وموقفه التاريخي؛ منا كأعداء، ومن قضايانا كمجال لإدامة الصراع والإخضاع، ومن نفسه كمستعل ومتحكم ومتدخل فينا وفي حاضرنا ومستقبلنا، ومن بترولنا وثرواتنا وأجوائنا التي يعتبر امتلاكنا إياها مجرد صدفة (وخطأ وجودي) وأنه الأولى بها، وأنه لا بد من إعادة تصحيح (خطأ الرب فيها كما قالوا) تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.. ويخطئ من يصدق أن هذا الغرب يعرف أو يقبل بالديموقراطية خارج الحدود التضاريسية والجغرافية لبلاده وخارج عرقيته الغربية وخارج مصالحه الضيقة.. آخر القول: لا بد أن نرى الغرب على حقيقته لا كما نحب أن نراه.. وعلى الغرب أن يستوعب التغييرات الجارية وأن يعلم أنه بتدخلاته واعتداءاته كان أحد أهم أسباب إثارة غضب الشعوب وإشعال الثورات العربية الحالية فيها، والغرب مشتبه به بل متهم كداعم للساقطين ما استمر في إمساك العصا من الوسط، وما استمر في المناورة بين المبادئ والمصالح وما استمر في الدعم المبطن للقذافي وأمثاله.. وعلى الغرب إذا كان متأكدا من أن القادم مختلف أن يعلم أن اللحظة حاسمة..