29 أكتوبر 2025

تسجيل

بريق الصلعة ومزايا الرجل الصليع

17 فبراير 2024

إن الحقيقة التي لا تحتاج إلى حدس أو ظن، أو اعمال خيال، أن الكثير من الاختراعات الخطيرة، التي وضعت الانسانية في ركب التطور، جاءت من رجال «جرد»، لم يخضعوا قط لسطوة» الشعر»، أو يطمعوا في نمائه، فأشد ما يمقتوه، ويزدروه، هو كثافة «الشعر» وغزاراته، فالصلعة مستقرة عندهم، ممعنة في الاستقرار، وهي باستقرارها ذلك، انحرفت عن عوامل التحول والتطور أشد الانحراف، فالشعر الذي كان يقبع في فروتها، يصور أجيالا مختلفة من العصور والبيئات، بعض هذه العصور تحث خطاها نحو التطور وتوغل فيه، والبعض الآخر مؤثرا للثبات، وحريص عليه، والسودان مثل» شعور رأسنا»، شديد الاتصال بمعاني الثبات والاستقرار، لذا لم يشهد طوال قرنه المنصرم، أي تحولا أو انتقال، ولعل الأحداث وتتابع الخطوب، هي التي جعلته يأنف من مواكبة الحضارة المادية الحديثة، واستعارة النظم والقيم الجمالية، التي ينظر الناس إليها في الخارج، نظرة حب ورضا واكبار، فشبابه من غير شك، إذا سعوا لتتبع هذه القيم والموضات المتعابقة التي لا حصر لها، والتي تزداد انتشارا وتغلغلا، في طبقات الفئات العمرية الأقل سنا داخل قطرنا المهترئ وخارجه، أضحوا عرضة لأصحاب الاصلاح الاجتماعي، أو عبثت بهم ألسنة قاسية في عبثها، وفي الحق هذه الفئات، ترى أن الحياة القديمة التي عاشها آباؤهم، قد انقضت أيامها، لأجل ذلك هم يتبرمون منها، ويثورون بها، ويخرجون عليها، وجيلنا يشهد أطوار هذا الانتقال، ويقبله على كره، ويغض منه على استحياء، فمن أهم مزايا شباب اليوم، أنهم مأخوذون بحياتهم الجديدة، بعد أن تداعت مثلنا العليا في حناياهم، فهم لا يعترفون بها، ولا يحرصون عليها، بل يضيقون بها أشد الضيق وأعنفه، ولعل كل فرد منا، يذكر تلك الخصومات العنيفة، التي وقعت بينه وبين ابنه، أو بينه وبين ابن أخته، في «قصة شعر» عمد إليها هذا الغر تأسيا بأخدانه، وهو يجهل أن هذه «الحلاقة» من شأنها أن تعيبه، وتجعل الناس على سعتهم وضحالتهم، وعلى تنوعهم واختلافهم، يتحدثون عنه في ايجاز واطناب، ويحوطون «قصة شعره» تلك بالرعاية والعناية، ووالده الذي لا يستطيع أن يدفع العاديات عن ولده، تطوله جلسات الغيبة التي ترتفع عنها كل رقابة، وتسقط دونها كل خشية، سيعرض الابن والده فعلا لمحنة قاسية، وسيجد الوالد نفسه بين اثنتين، أن يدع فتاه الذي يخطر في مطارف الشباب، يفعل بشعره ما يشاء، يقصة ويرجله، بالصورة التي تروق له، ويتحمل هو الأذى في سبيل هذه الحرية التي منحها لولده، أو يكبح هذه النظم والظواهر على انتشارها وشيوعها، ويؤثر ابتعادها عن «خاصته» غير حافل برضاهم أو سخطهم.