18 سبتمبر 2025

تسجيل

الحصاد المرّ في الذكرى الـ 25 لتأسيس الاتحاد المغاربي

17 فبراير 2014

تم الاحتفال في مدينة طرابلس الغرب بالذكرى الـ (25) لإعلان تأسيس اتحاد المغرب العربي، وحضر الاحتفال الحبيب بن يحي الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، ورمضان العمامرة وزير خارجية الجزائر، وأحمد ولد تكري وزير الشؤون الخارجية بموريتانيا، ومنجي حمدي وزير خارجية تونس. وأكد وزير الخارجية و التعاون الدولي الليبي محمد عبدالعزيز في هذه المناسبة على تفعيل رؤية أجهزة الاتحاد المغاربي بحيث يكون هناك تكامل اقتصادي واستراتيجي حقيقي مستقبلاً. وأكد وزيرالشؤون الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة يوم الأربعاء الماضي بالجزائر العاصمة أن الذكرى الـ 25 لتأسيس الاتحاد المغاربي (17 فبراير 1989) قد تكون مناسبة "لانطلاقة نوعية" تسمح للشعوب المغاربية من الاستفادة من مزايا هذا الفضاء. أما الحبيب بن يحي الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، فقد أكد من جهته،أنه حان الوقت الآن للدول الأعضاء لإعطاء أهمية أكثر وزنا بالنسبة لمستقبل التعاون دول الاتحاد المغربي على مستوى الحكومات و المنظمات المهنية والمجتمع المدني. بعيداً عن هذه الجمل الدبلوماسية التي تقال في مثل هذه المناسبات، فإن حصاد ربع قرن من تأسيس الاتحاد المغاربي كافي لإصدار موقف قطعي بأن هذه الاتحاد ولد مشلولاً، وغير قادر أن يواجه التحديات السياسية والاقتصادية التي تعيشها منطقة المغرب العربي. فقد تم بعث المشروع القديم لوحدة المغرب العربي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، حيث اجتمع الزعماء الراحلون والسابقون الخمسة للبلدان المغاربية: الرئيس الشاذلي بن جديد من الجزائر، والعقيد معمر القذافي من ليبيا، والملك الحسن الثاني من المغرب، والرئيس زين العابدين بن علي من تونس، والرئيس ولد طايع من موريتانيا، في مدينة مراكش بالجنوب المغربي في 17 فبراير1989، وأعلنوا عن تأسيس إتحاد المغرب العربي. ويضم هذا الاتحاد المغاربي حوالي/90.178.000/ مليون نسمة من العرب، ويشمل المنطقة من حدود ليبيا مع مصر إلى نهر السنغال التي تصل مساحتها إلى نحو 5.380591 كيلو مترا مربعا، وفي هذا الإتحاد دولتان مهمتان من حيث الموقع وعدد السكان هما المغرب (32.639.000 مليون نسمة، أكتوبر 2012)، والجزائر (36.3 مليون حسب نتائج إحصاءات يناير 2011 )، أما عدد سكان تونس (يناهز 10 ملايين و651 ألف نسمة، نوفمبر2011)، وعدد سكان ليبيا (6.597 مليون نسمة - فبراير- 2012)، وعدد سكان موريتانيا (3.291.000 مليون نسمة، سبتمبر 2012). لا شك أن وحدة المغرب العربي كمشروع بناء إقليمي قديم متجذر في ضمير شعوب المنطقة. وكانت أول فكرة تبلورت حول وحدة المغرب العربي تلك التي أرستها حركة نجم شمال أفريقيا التي أسسها القائد الوطني الجزائري مصالي الحاج في عام 1927، حيث دعت إلى إقامة جبهة مناهضة للاستعمار الفرنسي، والدفاع عن مسلمي شمال إفريقيا من النواحي المادية والمعنوية. وظلت فكرة توحيد المغرب العربي أملاً يُرَاوِدُ الحركات الوطنية التحررية المناهضة للاستعمار الفرنسي في كل من تونس والجزائر والمغرب، التي عقدت أول مؤتمر لها بالقاهرة في مارس 15و22 فبراير من عام 1947. واستمرت هذه اللجنة تلعب دور الإطار للمناقشة والتنسيق بين الحركات الوطنية الثلاث. وكان الاعتقاد السائد أن خروج الاستعمار الفرنسي من الساحة سيتيح المجال أمام تحقيق فكرة توحيد المغرب العربي والإسهام من خلاله في تعزيز العمل العربي المشترك. وبعد عامين من استقلال تونس والمغرب عام 1956، وتجذر الثورة الجزائرية في مقاومة الإستعمار الفرنسي عقدت في مدينة طنجة عام 1958 أول قمة مغاربية ضمت قادة أحزاب الاستقلال المغربي، والدستور التونسي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، لا الحكومات بحكم أن الجزائر لم تنل استقلالها بعد.وبعد استقلال الجزائر عام 1962 كان بناء المشروع المغاربي في قلب المفاوضات بين البلدان الثلاثة، حيث تم توقيع اتفاقيات الرباط في عام 1963، التي نصت على تحقيق التطابق في سياسة البلدان الثلاثة تجاه السوق الأوروبية المشتركة، وتنسيق مخططات التنمية، وسياسة التبادل التجاري. غير أن كل هذه الاتفاقات لم تتجسد مادياً على الأرض، ولم يتجاوز بناء المغرب العربي إطار المشروع النظري بسبب الصراع التنافسي الذي دب بين حكوماته المختلفة على زعامته، وإستمرار النزاعات الحدودية الموروثة من الحقبة الكولونيالبة بين مختلف البلدان المغاربية (نذكر في هذا الصدد النزاع المسلح بين المغرب والجزائر في أكتوبر 1963)، وهو ما عكس لنا بروز المظاهر والنعرات الإقليمية التي أصبحت سائدة في عقول وممارسات النخب الحاكمة، والتي قضت على أي تفكير جدي في بناء المغرب العربي الكبير، على نقيض الاعتقاد الذي كان سائداً، والذي كان يعتبر أن استقلال الجزائر سوف يساعد على تحقيقه. ومغزى آخر هو أن الدول المغاربية أغلقت أبوابها على نفسها، ووضعت حدودا لها بحواجز إدارات الهجرة والجمارك، وبثقافة جديدة تخلع كل قطر من هويته المغاربية والإسلامية، وسلمت بالكيانات القطرية، وصارت تنظر إلى مشروع المغرب الكبير على أنه مجرد تعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية دون التفكير في تنازل الدول عن أي شيء من سيادتها لحساب هيئة اتحادية مهما كانت هذه الهيئة مجردة من السلطات. وهي روح تختلف عن تلك التي سادت مؤتمر طنجة سنة 1958. وهكذا، شهد المغرب العربي انقساما واضحاً بين بلدانه، بسبب الاختلافات في الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي اختارها كل بلد على حده منذ بداية السبعينيات. واستمرت العلاقات الاقتصادية بعد الاستقلال قائمة على التنافس، وذلك لتشابه المنتوجات الزراعية والمواد الخام. ولم تتطور العلاقات الاقتصادية البينية، بل أصبحت السوق الأوروبية المشتركة هي أهم أسواق بلدان المغرب العربي التصديرية. وبالتوازي مع هذه الإختلافات العميقة على صعيد استراتيجيات التنمية الإقتصادية للبلدان الثلاثة، تهمشت أيضاً فكرة المشروع المغاربي، بسبب الاختلاف الجذري على صعيد الشرعية السياسة، وعملية بناء الدولة الوطنية بمفهومها القطري، والتناقضات الإيديولوجية والسياسية العميقة التي كانت تفصل أنظمة المغرب العربي بعضها عن بعض، جراء انحياز كل نظام لاختيارات اقتصادية واجتماعية، وارتباطات دولية محددتين. وشهدت بلدان المغرب العربي الثلاثة خلال هذا العقد سلسلة كاملة من الانفجارات الكبيرة، (انتفاضة الدار البيضاء في يونيو 1981 بالمغرب، وثورة الخبز في تونس في نهاية 1983 وبداية 1984، والانتفاضة الشعبية في الجزائر أكتوبر عام 1988، وانتفاضة المغرب في عام 1991). وتعبر هذه الانتفاضات عن أزمة مجتمع، وأزمة ذهنية، وأزمة نظم سياسية. وشكلت في حينها حركة تصاعدية من الصراع الاجتماعي ضد النخب الحاكمة على طريق الظفر بالديمقراطية، والعيش في ظل الكرامة الوطنية. وقد أحدثت هذه الانتفاضات اختلالا جذرياً في بنية الأنظمة السياسية الحاكمة في تونس، والجزائر، والمغرب. في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، والعزلة السياسية للأنظمة، بدأت السلطات الحاكمة في بلدان المغرب العربي البحث في بعث وتفعيل المشروع المغاربي من جديد في أواسط الثمانينات، عبر تطويق مجالات الصراعات والتوترات التي تفرقها، والإتجاه نحو تطبيع العلاقات المغاربية – المغاربية. وقد توجت هذه المحاولات بعقد زعماء الدول المغاربية الخمس في مراكش في 17 فبراير1989، والتوقيع على معاهدة مراكش المؤسسة لإتحاد المغرب العربي، وتحديد البنيات السياسية لهذا الإتحاد. ومن الواضح أن البناء الإقليمي لإتحاد المغرب العربي يخضع لحسابات ومصالح "تكتيكية" أكثر من إعادة مراجعة جذرية للنخب الحاكمة في مقاربتها لموضوع الوحدة المغاربية، وهو ينطلق من الأرضية التي تقوم عليها الأنظمة المعنية، أي أرضية التبعية والتجزئة والتخلف. وهو كمشروع وحدة إقليمية، قام، والحركة الشعبية مقموعة، والأحزاب والقوى السياسية مسلمة لقياداتها، لا تستطيع أن تدعي أنها أسهمت في فرض قيام مثل هذا التجمع الإقليمي، أو أنها لها برامج لتطويره. وهكذا تعثر القطار المغاربي مع انفجار الأزمة الجزائرية في عقد التسعينيات من القرن الماضي،، وتفجر أزمة لوكربي بين ليبيا وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا والتي تطورت إلى فرض عقوبات دولية على ليبيا في عام 1992، بسبب انكفاء الأنظمة على أنفسها لحل مشاكلها الداخلية، بدءاً من موريتانيا الغارقة في همومها السياسية والاقتصادية، مروراً بالجزائر التي كانت تواجه حرباً أهلية طاحنة، وانتهاء بليبيا التي طاردتها أزمة لوكربي، والمغرب الذي انشغل بأمور منها قضية الصحراء وأثرها المباشر في احتدام صراع المحاور الإقليمية بين المغرب والجزائر والموقع الذي احتلته في إستراتيجية التطويق والمحاصرة لدى كل من النظامين. لقد مرّ على إنشاء اتحاد المغرب العربي 25عاما، دون تحقيق أي مكسب حقيقي إلى حدّ الآن، من شأنه أن يغير حياة سكانه، البالغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة. إذ شكلت قضية لوكربي، وقضية الصحراء الغربية، والأزمة الجزائرية، وغياب الديمقراطية في المغرب العربي، وإفتراس المجتمع المدني من قبل الدولة التسلطية المغاربية، أهم المعوقات التي طالت دينامية الاندماج المغاربي، وجعلت إنجازات الإتحاد دون حجم التطلعات التي صاحبت ظروف تأسيسه. والأسوأ من ذلك كله، كما يرى المراقبون، أن تظل الحدود مغلقة بين البلدين الأكثر أهمية اقتصاديا وديمغرافيا في الإتحاد وهما الجزائر والمغرب، بل إن رؤساء المؤسسات الاقتصادية والتجارية يجدون سهولة أكبر في تحقيق معاملاتهم مع دول الإتحاد الأوروبي، أكثر مما يجدونها في بلدانهم المتجاورة. وظلت المبادلات التجارية بين دول المغرب العربي لا تتجاوز في أحسن الحالات 5 في المائة، من مجمل تجارتها الخارجية. في الوقت الذي تستأثر فيه أوروبا بما نسبته 70% من هذه المبادلات. ويقف الدخل الفردي الحالي لدول المغرب العربي عند حدود 1800 دولار، وهو معدل ضعيف، ومهدد بالانخفاض في قيمته الشرائية، وفي قيمته العددية، بسبب الزيادة في الولادات، وتقلص الإنتاج، وانخفاض الأراضي الصالحة للزراعة. يضاف إلى ذلك تصاعد الفروق بين دول الشمال ودول الجنوب، التي تهدد التوازن العالمي، ففي كل مرّة يغتني فيها العالم الثالث بدولار واحد تغتني دول الشمال بـ250 دولارا. كما أن نسبة البطالة في بلدان المغرب العربي تزيد على 35% من اليد العاملة، وهي مرشحة للزيادة، بسبب تقلص الاستثمارات، وإفلاس بعض القطاعات الإنتاجية، وتصاعد الوتيرة لديمغرافية. كما يبقى السلم الاجتماعي مهدد، بسبب السير نحو الخصخصة واستحواذ 15% فقط من السكان على ثلثي المداخيل الوطنية في دول الإتحاد. وقد تفطنت القيادات السياسية في دول الإتحاد إلى أنها لم تعد قادرة على إعطاء الوعود التي لا يعقبها عمل، وأن إتحاد المغرب العربي مطلب شعبي، وضرورة دولية واقتصادية هامة، ولكن الهيكل ظل خاويا إلا من اللجان والمجالس الاستشارية والقمم الرئاسية، التي لا يعقبها شيء ذو بال.