15 سبتمبر 2025

تسجيل

عظيمة يا مصر.. نهاية نظام سرق خيرات شعبه وتسبب في افقاره

17 فبراير 2011

أحب المحروسة مصر.. وهل هناك أصلاً مواطن عربي لا يعشق هذا البلد الجميل، وشعبه الطيب والبسيط الذي لا تفارق محياه الابتسامة، ولا يكف عن إطلاق النكت طيلة يومه، مهما كانت ظروفه ومصاعب الحياة التي يواجهها؟ زرت مصر العزيزة على قلبي مرة وحيدة، وكان ذلك منذ 25 سنة تقريباً، وتحديداً في منتصف الثمانينيات حيث أمضيت في ربوعها ثلاثين يوما في صيف عام 1986، أعتبرها من أجمل لحظات حياتي ومازلت أتذكر تفاصيل هذه الزيارة التي لن أنساها أبدا، متمنيا أن أحظى بشرف زيارتها مرة، بل مرات، أخرى، ولأنني شربت من نيلها فإن شاء الله "راح أزورها كمان مرة". يقول سبحانه وتعالى في سورة يوسف "ادخلوا مصراً إن شاء الله آمنين".. ويفسر مواطن مصري بسيط هذه الآية بالقول: إن كلام الله عزّ وجل في كتابه الكريم يواكب كل زمان ومكان، والأمن هنا والله أعلم يفيد بأن أهل مصر طيبون، وغير عدائيين، ومسامحون، ومضيافون لكل إنسان، يتكلم بالعربية وغيرها.. فالأمن، على حد تفسير هذا المواطن، يفيد الأمان والطمأنينة بالقلب. ثم يتساءل: هل تعيش وسط ناس كهؤلاء وتشعر بالخوف؟.. صدق الله بمحكم آياته.. المصريون فعلا في منتهى الطيبة ويتمتعون بروح مرحة ويتصفون بالضيافة والترحاب.. وقد لمست ذلك عن قرب في الثلاثين يوما التي أمضيتها في مختلف مناطقها في القاهرة والإسكندرية وسيناء التي زرت فيها أقدم دير في العالم وهو دير سانت كاترين، والغردقة، والفيوم، وبورسعيد، وحتى "المقطم" التي يستوطن قبورها 1.5 مليون مصري.. وغيرها من مدن ومحافظات أم الدنيا. غادرت الدوحة إلى القاهرة على متن إحدى طائرات "طيران الخليج" في يوم 29 يونيو من عام 1986، وأتذكر هذا اليوم بالتحديد ليس لأنها المرة الأولى في حياتي التي أركب فيها طائرة، بل لأنه صادف إقامة المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم التي جمعت بين منتخبي الأرجنتين بقيادة أسطورتها مارادونا مع منتخب ألمانيا الغربية في ذلك الوقت، قبل أن تتحد مع ألمانيا الشرقية في دولة واحدة بعد سقوط جدار برلين عام 1989. ولم يتسن لي متابعة هذه المباراة بسبب ظروف الرحلة، ولكنني كنت شغوفا بمعرفة نتيجتها ومتمنيا أن تكون لصالح نجوم التانغو، وعلى رأسهم بالطبع "مارادونا" الذي لا ينازعه في لقب أفضل لاعب في العالم في كل العصور، سوى الرائع أداء وخلقا "ميسي" نجم برشلونة الحالي، الذي هو بدوره أكبر من مجرد ناد وأفضل ناد رياضي في العالم، مع احترامي للمدريديين وعلى رأسهم زميلي حمد الإبراهيم. ولعل فلسفة هذا النادي العريق التي تتوافق مع "قطر فونديشن"، المؤسسة التي لا تسعى للربح، أدت إلى موافقة الطرفين أن يضع فيها النادي الكاتالوني لأول مرة إعلاناً على قميص فريقه الكروي مقابل مبلغ مالي، علما بأنه لا يتقاضى مقابلاً من الـ "يونيسيف" المؤسسة التابعة للأمم المتحدة وتعنى بحماية الأطفال منذ أن وضع شعارها على صدر لاعبيه عام 2006، بل إنه يقوم بدعمها سنويا بمبلغ مليوني يورو. بعيدا عن كل هذا، حرصت أول يوم لي في مصر معرفة ماذا جرى في المباراة النهائية لكأس العالم التي علمت نتيجتها فور وصولنا القاهرة وفوز الأرجنتين بثلاثة أهداف لهدفين لتحقق اللقب للمرة الثانية في تاريخها. وحيث أنني لم أستطع مشاهدة المباراة عبر الشاشة كان من الطبيعي أن أبحث عن جريدة يومية لأقرأ تفاصيلها. لم يكن الانترنت موجودا في تلك الفترة، وعهد الكمبيوتر الشخصي كان قد بدأ للتو، ووائل غنيم، مدير التسويق الحالي لشركة جوجل في الشرق الأوسط، وأحد قيادات الثورة الشبابية في مصر التي أطاحت بنظام حسني مبارك كان مازال طفلا صغيرا لم يتجاوز السنة الخامسة من عمره. وصلت القاهرة ليلا، مع أخي الأكبر الذي كان يدرس هناك مع مجموعة من الشباب القطري في بعثة دراسية عسكرية، وذهبنا برفقة زميله الذي انتقل إلى رحمة الله منذ عهد قريب، إلى شقتهم السكنية في منطقة النزهة. وفي صباح اليوم التالي خرجت من الشقة مبكراً باحثاً عن أقرب "كشك" لأبتاع منه جريدة بغية الاطلاع على خبر المباراة. المسافة من العمارة التي كان يسكن فيها أخي إلى الكشك الذي ابتعت منه الجريدة قصيرة جدا لم تتجاوز أمتاراً قليلة، لكنني قطعتها في وقت طويل مستمتعا بمشاهد رائعة للمصريين الطيبين. عندما نزلت من شقتنا التي كانت في الدور الرابع إلى أسفل العمارة شاهدت كماً من البشر تعلو الابتسامة محياهم، وتسابق الجميع على خدمتي لأنني ضيفهم. سألت بواب العمارة عن أقرب مكتبة أبتاع منها جريدة فأشار بيده إلى "كشك" يقع في الشارع المقابل للعمارة، فشكرته وقبل أن أخطو خطوة واحدة نحو "الكشك" فإذا به يصر على أن يذهب بنفسه لشراء الجريدة، وأيّدته في ذلك امرأة مسنة من سكان العمارة كانت تنتظر مع ابنتها وصول حافلة المدرسة وقالت: "والنبي يا محمد تاخد الحاجة للعيل عشان مايتوهش" ثم خاطبتني قائلة "يبني حبيبي.. بلاش تغلب نفسك". ولأنني لا أحبذ أن اعتمد على غيري في تصريف مثل هذه الأمور، وأحب أن أقوم بها بنفسي شكرت البواب والحاجة على موقفهما، ورغم إلحاحهما لم يستطيعا أن يَثنياني عن موقفي، مثل زوجتي التي لم تستطع حتى الآن أن تغير موقفي بضرورة وجود خادمة في البيت، فما دمت تستطيع أن تقوم بالعمل بنفسك فلا حاجة للاعتماد على الغير. أخيرا حصلت على نسخة من جريدة الأهرام، الجريدة ذائعة الصيت في العالم العربي في تلك الفترة ومازالت، وقبل أن أحاسب البائع اطلعت على البضاعة التي لديه ثم قلت له: "يا باشا.. عندك بضاعة أجنبية".. فإذا بعلامات الغضب تبرز على وجهه وصاح قائلاً: "هو يعني البضاعة المصرية مش عاجباك ليه؟".. فحاسبته وعدت إلى شقتنا خائباً، لكنني تعلمت درساً في الوطنية من المصريين المعروفين بروحهم الوطنية والتي لا ينازعهم في ذلك أي شعب في العالم. المصريون، مثل ما قالت عنهم نانسي عجرم في إحدى أغانيها، هم "ملوك الجدعنة.. ودي حاجة في طبعهم".. ومهما استكانوا وارتضوا بالظلم فإنهم يثورون على جلاديهم.. فمن كان يتوقع أن يُخلع حسني مبارك ويسقط نظامه بهذه الطريقة حتى وإن جثم على قلوبهم 30 سنة؟ هذا الشعب الطيب يستحق أن يعيش حياة طيبة، وللأسف على مدار السنين الأخيرة ورغم وجود الكثير من الكفاءات والعلماء والخبراء المصريين فإن حالة أم الدنيا لا تسر أحداً لا عدوا ولا صديقا بسبب سياسات الحكومات التي تعاقبت عليه بعد سقوط الملكية، ولعل أسوأ الأنظمة التي مرت على مصر في العصر الحديث هو نظام الحزب الوطني بقيادة مبارك. لو وزعت ثروات وميزانية مصر بعدالة وعلى 80 مليون مصري لكان نصيب كل فرد فيها أكثر من 16 ألف جنيه، لكن الفساد الذي استشرى في هذا البلد سرق خيرات أبنائه، ففي العام الماضي جاءت مصر في المركز 115 من بين 180 دولة في مؤشر الفساد، في حين أفاد تقرير آخر نشر في عام 2010 بأن أكثر من 39 مليار جنيه أهدرت في مصر الآونة الأخيرة بسبب الفساد المالي والإداري في الحكومة المصرية. وبات الفساد بسبب سياسات الحزب الحاكم مستشريا في كل القطاعات الحيوية في هذا البلد، وأهمها القطاعان التعليمي والصحي اللذان أصبحا "تحت الصفر".. لقد أدت أنظمة الفساد لدى النظام المصري السابق إلى تحميل المصريين ديونا، وفي الوقت الذي يبلغ متوسط دين الفرد القطري 250 ألف ريال تقريباً طبقا لإحصاءات نشرت مؤخرا، فإن الفرد المصري تتجاوز ديونه هذا المبلغ بكثير.. إلا أن الفرق يكمن في أن ديون الفرد القطري تسبب بها بنفسه بسبب سياساته الخاطئة، لكن ديون الفرد المصري تسببت بها حكومة بلاده المخلوعة. ملاحظة: من جديد أواجه مشلكة مع بريدي الإلكتروني الذي تعرض للسرقة، وتجدون مع مقالي هذا بريدي الجديد، آملا أن يتم التواصل معي من خلاله بدلا من القديم المسروق.