15 سبتمبر 2025
تسجيلسقط مبارك وسقط نظامه بعد سقوط بن علي وسقوط نظامه.. وهما مثال لكل نظام يعتمد على قوة البطش والتزوير وشراء الذمم والإكراه على مستوى تسكيت المعارضة، كما يعتمد الخضوع والخنوع والانخراط في المشروع الصهيوني على مستوى العلاقات الخارجية واكتساب الشرعية.. ولذلك بلا شك أثره على كل الساحات والمعادلات السياسية في المنطقة وبالأخص منها تلك التي تنحو هذا النحو في ممارسة السلطة واكتساب الشرعية.. سلطة منظمة فتح وبما لها من ارتباط خاص بنظام حسني مبارك وبالكيان الصهيوني وبانتمائها لنفس الأيديولوجية ولنفس المعسكر يجعلها الأكثر تعرضا وتأثرا برياح التغيير أو برجع صدى هذه الثورة المجيدة.. (ربما تسبق شعوب أخرى وربما يتأخر الشعب الفلسطيني لخصوصية معادلات هذه القضية ولكن الخطأ القاتل هو الاعتقاد أنه يتأخر خوفا أو انصرافا أو غفلة) فإذا تحدثنا عن أثر سقوط نظام حسني على السلطة فإننا نتحدث عن أثرين اثنين؛ الأول: أثر مباشر؛ والثاني: أثر غير مباشر ؛ أما المباشر فحيث فقدت السلطة ساحة مهمة للتحرك ونصيرا إستراتيجيا في كل المواقف والسياسات والممارسات وفي مواجهة قوى المقاومة وفي كسب الشرعية بعد انتهاء شرعية السلطة وانتهاء شرعية الرئيس وانتهاء شرعية مؤسسات المنظمة.. أما الأثر غير المباشر فحيث إنه سيترتب على سقوط هذا النظام تغير إستراتيجي في معادلات السياسة العربية لصالح محور المقاومة وبالأخص إذا قام في مصر نظام يفتح آفاقا لدعمها وما سيؤدي إليه ذلك من حشر وحصر لمشروع التسوية، وكشف الغطاء عن السلطة. أن يسقط نظام حسني مبارك بالنسبة لمنظمة فتح وسلطتها وتوليفتها فتلك مصيبة، ولكن أن يأتي ذلك في الوقت التي يلوك الإعلام سمعتهم وتتكشف مستورات خيانتهم وفي حين يفتقدون البوصلة الوطنية وحيث تتوقف عملية التسوية وإذ يتصاعد إحساسهم بالتلاشي.. فذلك يجعل المصيبة عليهم أعظم وأكثر وأكبر وأخطر ويجعل وجودهم في حد ذاته فضلا عن أي شيء سواه يجعله في نظر الرأي العام الفلسطيني والعربي مثار استقذار واستفزاز.. فكيف إذا جاء كل ذلك في مرحلة تبشر باستعادة الشعوب لحقها في التظاهر والاعتراض والمراقبة والمحاسبة والانتفاض؟ وفي وقت صارت نظم وهي أكثر تجذرا وهيمنة على شعوبها تداهن الرأي العام لديها وتتوسل إليه بالتبرؤ من خطايا هي عشر معشار ما يتودك به سلاطين سلطة فتح ومستثمروها. أزمة هؤلاء اليوم متعددة الأوجه، وهم في حال أكثر بؤسا من أي بؤس كانوا يتوقعونه، وأكبر من أي بؤس تكرس على رؤوس بقية حلفائهم، وإذا كان الماضي لم يسلم لهم عندما كانوا في الصدارة وعندما كانوا في إقبال على المجد وكان لهم لسان مقبول وقول معقول ؛ فهل سيقبلهم الناس اليوم وهم في إدبار وسوقهم في انفضاض؟ لكنه اختيارهم على كل حال، وهم الذين ارتضوه لأنفسهم، (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) فهي إذن عاقبة تناسب انحرافهم وتجازي ما اختاروه من السلامة مع الهوان وتفريط بدماء الشهداء وتحالف مع الشيطان. هم اليوم في " حيص بيص " ويتلمسون المخرج الذي لا يعثرون عليه ؛ لأنهم وللمرة الألف لا يزالون يخطئون نفس الخطأ.. ما يحاولونه لا يخرج عن تجزئات لا تسمن من شبع ولا تغني من جوع، ولا يخرج عن شغل الناس بالملهيات لصرفهم عن همومهم الأساسية، ولا يخرج عن معاداة المقاومة ومحاولة حشرها في الزاوية، ولا يخرج عن سياق التحالف الصهيو أمريكي، ولا يخرج عن تجاهل الرأي العام الفلسطيني والاستخفاف به وتزويره وتزييفه، ولا يخرج عن نظرتهم المريضة لأنفسهم على أنهم مع القضية في حالة حلول واتحاد وأنها هم وأنهم هي قصرا وحصرا لمردوداتها المغنمية دون المغرمية، كما لا يخرج عن تعديهم على القرار الفلسطيني وعلى قرار منظمة التحرير وامتطاء لجنتها التنفيذية ومجلسها المركزي ومجلسها الوطني.. وأخيرا هم لا يخرجون عن مراد الاحتلال وعن الغرق في النكايات الصغيرة.. العجيب الذي يدلل على إفلاسهم وأنهم لا يملكون أمرهم ولا يبصرون حالهم ولا يتوقعون مآلهم أنهم وبعد كل هذا السقوط وكل هذا الإحساس بالتلاشي وبدلا من أن يقوموا بإجراء مراجعة شاملة لخياراتهم وعلاقاتهم وطروحاتهم ولو من قبيل استباق انتفاضة شعبية لا يجوز أن يستبعدوا احتمالاتها.. بدلا من كل ذلك راحوا يسترجعون ورقة المصالحة التي حاول نظام مبارك الخؤون فرضها لصالحهم.. ولا أدري كيف يظنون أن المقاومة ستقبلها اليوم إذا كانت لم تقبلها يوم كان نظام مبارك نظاما في سدة الحكم وبمخالب وأنياب، ويسترجعون مسألة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي هي استعراض وتدليس يوحي بأنهم يسعون للشرعية والديمقراطية التي يقتلونها ليل نهار.. هذه الانتخابات سبق أن طرحوها وسبق أن تراجعوا عنها واعترفوا بأنها غير ممكنة في ظل الانقسام وأن إجراءها في جزء من الوطن سيؤدي لتجزيء الشرعية الرئاسية والتشريعية.. ولا أدري ما الذي جعلهم يتناسون أثر الانتخابات الجزئية على نقص شرعية نتائجها؟! كما لا أدري لماذا يعتقدون أن أحدا سيصدق أنها لن تزيد الانقسام وتجذره وتوطده إذا كانت الانتخابات السابقة قد أدت - مع فقدان الحد الأدنى من التوافق على برنامج وطني - إلى فتنة الانقسام والقتل على الهوية التنظيمية؟ فهل هذا ما يريدونه؟ وإذا كانوا يريدونه ؛ فهل هذه هي القراءة الصحيحة للعبرة من سقوط مبارك وانتفاض وانقضاض الناس عليه؟ وأقالوا حكومة سلام فياض غير الشرعية أصلا ثم أعادوا تكليفه من جديد.. في ترقيعيات أشبه " باللخبطات والارتباكات " وإذن فهي نفس الطروحات التي سبق أن طرحوها وهي نفس محاولات للف والدوران التي حاولوها ألف مرة ولم تفلح.. الطبيعي هنا أن يسأل المرء عن فهم هؤلاء للسياسة وعن متابعتهم للمتغيرات، وعن فهم واقعهم.. اللهم إلا إن كانوا كحليفهم " الساقط " لا يفهمون إلا متأخرا؟ آخر القول: على سلطة فتح إجراء مراجعة شاملة لكل الحالة الفلسطينية بخياراتها وتشابكاتها وشخوصها وألا يجمدوا أمام قناعات أو أوهام تجاوزها الزمن.. وعليهم أن يتوقفوا فورا عن توهم أن حالهم مختلف، وعليهم أن يتذكروا أن قضية الشعب الفلسطيني لا يرقعها تغيير فياض بفياض، ولا إعادة اجترار الورقة المصرية والانتخابات.. وأن يتذكروا أن الأزمة التي يعيشونها قد بلغت حدا لا يسمح بالكثير من التجريب والخطأ.