13 سبتمبر 2025

تسجيل

السودان.. الضحية الثانية في العام الجديد

17 يناير 2024

شهد السودان أزمة حرب قاسية خلال عام 2023 التي تعتبر من أصعب الامتحانات التي يمر به الشعب السوداني منذ أن نال استقلاله من الاستعمار البريطاني في عام 1956. الحرب في السودان تشبه الحرب على غزة في حجم الدمار. اشعلت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وهي قوة عسكرية مستقلة وموازية مع انتشار القتال في جميع أنحاء البلاد سريعا وقتل أكثر من 12 ألف سوداني في الحرب منذ أبريل، بحسب الأمم المتحدة. ونزح 5.4 مليون سوداني قسراً، بما في ذلك 4.1 مليون داخلياً وأكثر من مليون إلى البلدان المجاورة مثل مصر وتشاد. وليست حرب السودان وغزة منفردة كأن هناك مشروع دمار شامل في منطقتنا من سوريا إلى العراق، ومن ليبيا إلى اليمن. وبالرغم من أن أسباب الحرب الظاهرية كانت سياسية بالمقام الأول، لكن مع تطاول أمدها ظهرت جوانب خفية عن المتابعين للشأن السوداني، حيث أبانت هذه الحرب عمق الخلافات المناطقية والقبائلية والاجتماعية وتباين القناعات السياسية بين المكونات السودانية. الدمار أيضا مرتبط بالأزمات القديمة والجديدة حول البحر الأحمر من الصومال إلى اليمن ومن السودان إلى فلسطين. وأظهرت البيانات الصادرة عن المؤسسات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية مستوى التجاوزات التي ارتكبت والمعاناة التي يواجهها المواطن السوداني، الذي كان ضحية تجاذب أطراف سياسية وصراع قوى مسلحة وأطماع قيادات عسكرية لم تكترث بالتداعيات التي قد تترتب على إشعال هذه الحرب. وثقت البيانات الرسمية المجازر التي ارتكبتها عناصر قوات الدعم السريع في المدن التي سيطرت عليها في دارفور والخرطوم والجزيرة. ولكن تجاوب المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لم يكن بالمستوى المطلوب وليس بقدر آمال وتطلعات الشعب السوداني الذي ترك وحده يواجه القتل والتشريد والاغتصاب بصورة منظمة. إن المجتمع الدولي والإقليمي تحرك في بداية الامر بصورة خجولة لإيقاف الحرب في السودان، إذ أعلنت كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية منبر جدة لجمع ممثلي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لإيجاد مسارات لتخفيف معاناة المواطن السوداني. ولكن لم تحقق الجهود السعودية الامريكية أي مخرج توافقي للأزمة وذلك لعدم توفر الإرادة والأدوات الكافية لإلزام الأطراف المتقاتلة بالإيفاء بالوعود التي قطعتها ووقعت عليها. ترجع أسباب فشل المبادرات الى تعددها وتباين أجندتها وعدم ترتيب أولوياتها. حيث تبنت جمهورية مصر العربية رؤية لجمع رأي مشترك لدول جوار السودان وخصوصا أنها تحمل نفس التخوفات والمهددات، ولكن بعكس التوقعات والتصورات خفت صوت هذه المبادرة. وربما يرجع ذلك الى التعارض الحاصل داخل الدولة المصرية بسبب عدم استشراف النتائج المرجوة من تبني هكذا مبادرة. وبلاشك كان لحالة عدم الاجماع القائمة داخل البيت الافريقي السبب الرئيسي في تراجع دور الاتحاد الافريقي ومنظمة الايغاد الإقليمية في التعامل الفعال مع الازمة السودانية. فضلاً عن تدخل دول إقليمية في تأطير الجهود الافريقية لصالح تشكيل مخرجات الحلول لمصالحها الخاصة، وهذه بالنتيجة لعبت دوراً أساسياً في فشل تطبيق شعار الحلول الافريقية للمشاكل الافريقية. كما تسبب موقف الحكومة السودانية الرافض لمقاربات مبادرة منظمة ايغاد في إجهاض جهود إيقاف الحرب. ايضاً من الأمور المثيرة للاستغراب أن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية لم تتفاعل مع احتياجات المواطن السوداني التي تولدت بسبب اندلاع الحرب. إذ لم تقم أي جهة بإغاثة السودانيين بالرغم من التقارير الأممية التي أثبتت أن السودان شهد أكبر أزمة نزوح خلال عام 2023. إن حالة التحشيد والتجييش والتسليح المضاد بين الأطراف المتقاتلة وإقحام المكونات المحلية في الحرب الدائرة تجعل أمر استشراف مستقبل مجريات الازمة السودانية بالغ التعقيد. ولكن الثابت أن الدولة السودانية ستتعرض الى انتكاسة كبيرة قد تؤدي الى تقسيمها الى أقاليم متناحرة ومتقاتلة على أسس جهوية وقبلية ومناطقية. وبالتأكيد إن تعامي المجتمع الدولي والإقليمي عن الازمة السودانية وتقاعسه عن إيقاف حمام الدم في السودان سيترتب عليه مخاطر أمنية على مستوى منطقة القرن الافريقي وإقليم البحر الأحمر وخصوصاً ان المنطقة على شفا حرب إقليمية شاملة بسبب التراشق الصاروخي بين أنصار الله والاساطيل الأمريكية على مياه البحر الاحمر. وبالرغم من أن الأزمة الإنسانية في غزة شغلت الرأي العام العالمي والإقليمي خلال عام 2023 ومازالت جارية، الا انه منذ منتصف أبريل من العام نفسه شهد السودان مجازر وانتهاكات لا تقل خطورة ومأساة على يد مليشيات عابرة للحدود، تقتل الإنسان السوداني على أساس الهوية والقبيلة واللون السياسي، والمجتمع الدولي الإقليمي لا يأبه بأداء مهامه الطبيعية تجاه الشعب السوداني الأعزل. آن للعالم أن يدرك حجم المعاناة وتقديم يد العون بكل أنواعه للشعوب والبلدان التي تقع ضحايا الحروب والفتن السياسية قبل أن تصل إلى ديارهم.