31 أكتوبر 2025

تسجيل

بذاءة وزير

17 يناير 2019

مشهد يؤسف له متداول في وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام، بطله وزير الشؤون الإسلامية السعودي وهو يناقش رسالة أحد طلبة الدكتوراة. حيث يقوم بالتعرض والاستهزاء والانتقاص من رموز وشخصيات إسلامية لها بالغ التقدير والاحترام في الأوساط الشعبية وكذلك العلمية، مثل الشيخ الموريتاني محمد الحسن الددو، الذي أبدى (سعادة) الوزير عدم اقتناعه بإطلاق لقب المشيخة عليه، بل قال عنه كلمة بذيئة لا يسمح المقام بكتابتها مطلقاً. ثم تعرض (سعادته) للأستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله، وأنه ليس بالذي يستحق لقب الأستاذية، بل يجب أن يُذكر اسمه مجرداً من أي لقب - إن دعت الضرورة لذكره - هكذا قال سعادة وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي. ثم يبالغ في الإساءة إلى الأستاذ قطب رحمه الله، حين قال بأنه لا يرى له ذوقاً أدبياً رفيعاً في كتاباته، بل فاضل بينه وبين مطربين ومطربات ذكرهم بالاسم، وأنه كان سيقبل من كاتب الرسالة لو أنه وصف الذوق الأدبي لأولئك المطربين بالرفيع وليس ذوق سيد قطب!. هكذا كان يتعرض وينتقد وينتقص من ذوات أولئك القامات العلمية والأدبية دون أي مبرر، في لقاء علمي أكاديمي يفترض فيه الرصانة والأدب والاحترام. إذ ما كان ينبغي ولأي سبب، أن يحوله (سعادة) الوزير أو أي كائن من كان، إلى لقاء يشبه لقاءات المقاهي أو العزب. ولكن الله كان بالمرصاد. إنه بالقدر الذي أهان هذا (الوزير) أولئك العظام والقامات العلمية، فإنه بالقدر ذاته أو ربما أكثر، تلقى نقداً جارحاً وسباً وتطاولاً من جمهور عريض، ما بين عامي وآخر محب للعلماء والصالحين وفئة أخرى واعية مثقفة، حيث ساءتهم جميعاً تلك الدونية التي كان عليها (سعادته) وهو في مجلس علم، وساءتهم تلك الظرافة المتكلفة التي افتعلها لحاجة أو حاجات في نفسه، والتي أحسبها لا تخرج عن ثنتين لا ثالثة لهما. الأولى التي لا أشك لحظة فيها والمعروفة منذ قديم الزمن، هي آفة الحسد التي تنخر في نفوس كثير من أهل العلم، الذين يأخذون العلم حرفياً دون أن يرافقه ويلازمه إيمان وتواضع وخشوع المتعلم. فهؤلاء من السهل على الحسد أن يتغلغل في ثنايا قلوبهم، يميل بهم يمنة ويسرة ويعزز أهواء قلوبهم وأمزجتهم الفاسدة، بحيث يرون كل متفوق عليهم من أقرانهم من العلماء الذين يُشار إليهم بالبنان، أشبه بأعداء تجب محاربتهم بكل الطرق والوسائل. وهل كانت محن ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية مثلاً أو الإمام أحمد بن حنبل إلا بسبب مكائد أقرانهم من العلماء المقربين من سلاطين زمانهم؟. أما الحاجة الثانية في نفس (سعادته) ونفوس كثيرين أمثاله، فهي التي برزت وبشكل جلي واضح خلال أزمة الخليج الحالية، والمتمثلة في التقرب إلى السلطان بكل الوسائل الممكنة، وشعارهم «الغاية تبرر الوسيلة». فهذا (الوزير) المتسلق الذي لا أستبعد أبداً، أنه بهذا التجريح للعلمين البارزين، الشيخ الددو والأستاذ الشهيد سيد قطب، إنما أراد بذلك أن يتقرب إلى السلطان، وليثبت بالدليل العملي أنه ملكي أكثر من الملك، وخصوصاً أن من كان يتعرض لهما في حديثه، من أعلام الحركة الإسلامية وتحديداً الإخوان المسلمين، الذين يتقرب بسبهم والنيل منهم، كل ناعق وكل متردية وكل نطيحة، وكل طامع إلى فتات موائد السلاطين. ◄ فسد الملوك بفساد العلماء إن ما قام به (سعادة) الوزير هو استهزاء وانتقاص صريح من قيمة شخصيات علمية صالحة بارزة – نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا - وتلك الأفعال من خصال الكافرين كما في القرآن الكريم (زُيِّنَ لِلّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدُّنيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ) وتلك الأفعال كذلك من صفات المنافقين كما قال تعالى (وَإِذَا لَقوا الّذِينَ آمَنُواْ قَالوا آمَنّا وَإِذَا خَلَوا إِلى شَيَاطِينهِم قَالوا إِنّا مَعَكُم إِنّمَا نَحْنُ مُستَهْزئونَ). ويطرح ها هنا تساؤل يقول: من أعطاه أو كيف أعطى لنفسه الحق والصلاحية في منح أو سحب الألقاب على الناس؟ فهذا لا يستحق المشيخة وذاك بعيد عن الأستاذية وغير ذلك من إجراءات وتصرفات؟ إن مثل هذا التمادي في الاستهزاء والسخرية عند هؤلاء المتوزرين المنتفعين، على علماء مشهود لهم بالعلم والصلاح، لابد وأن هناك ما يسمح بذلك أو أن ضوءاً أخضر يرونه أمامهم للقيام بمثل تلك الأفعال المعيبة غير السوية. ولو أن هناك رادعاً صارماً يمنع التطاول على الناس والانتقاص من ذواتهم، على شكل إنسان حازم عادل أو قانون أشد حزماً وصرامة، ما كان الذي كان من ذاك المتوزر المسؤول عن الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في بلده، والإسلام بريء من أفعاله غير السوية تلك، التي لا تمت للدعوة ولا الإرشاد بشيء. حيث يصدق فيه كلمات الأستاذ الأديب سيد قطب رحمه الله، حين جاءه في السجن يوم إعدامه من يقوم بعملية تلقينه الشهادتين. فقال: تشهّد. رد عليه سيد قائلاً: «حتى أنت جئت تكمل المسرحية. نحن يا أخي نُعدم لأجل لا إله إلا الله، وأنت تأكل الخبز بـ لا إله إلا الله». وما أكثر أمثال هؤلاء الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم. إن الاستبداد السياسي يتولد من الاستبداد الديني كما يقول الكواكبي، وإنه: «ما من مستبدّ سياسي إلى الآن، إلا ويتخذ له صفة قداسة يشارك بها الله أو تعطيه مقاما ذا علاقة مع الله. ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خَدَمة الدين، يعينونه على ظلم الناس باسم الله.. وإنما فسدت الرعية بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء.. فلولا القضاة السوء والعلماء السوء لقل فساد الملوك خوفاً من إنكارهم». استغرب الشيخ محمد الغزالي من نوعية علماء السلاطين المشتغلين بالعلم الديني الذين: «قاربوا مرحلة الشيخوخة وألفوا كتباً في الفروع، وأثاروا معارك طاحنة في هذه الميادين. ومع ذلك فإن أحداً منهم لم يخط حرفاً ضد الصليبية أو الصهيونية أو الشيوعية.. إن وطأتهم شديدة على الأخطاء بين أمتهم، وبلادتهم أشد تجاه الأعداء الذين يبغون استباحة بيضتهم.. بأي فكر يحيا أولئك». فهكذا حال علماء السلاطين في كل زمان ومكان.. وكأني بلسان حالهم يدعو الله ويردد على الدوام: اللهم اجعل الدنيا أكبر همنا ومبلغ علمنا ! ولعل الله قد استجاب لهم. [email protected]