17 سبتمبر 2025
تسجيللا أحد يمكن أن يتبنى أو يوافق الهجوم على مقر مجلة شارلي إيبدو في باريس وقتل الرسامين والعاملين فيها.لقد هبت فرنسا والعالم كله من لندن وبرلين إلى أنقرة والقاهرة وكل الدول المسلمة فشاركت في مسيرة الجمهورية دفاعا ليس فقط عن الحرية بل عن العلاقة بين الغرب والإسلام.لم يكن التعرض للمجلة الحادثة الأولى في الغرب ولن تكون الأخيرة، فالعلاقة بين الغرب والإسلام أو بالأحرى المسلمين جزء من سياق تاريخي موغل في القدم وهي علاقة لم تكن يوما في الأيام سوية أو خالية من المشكلات والحروب والمجازر ورائحة الدم.ربما يكون الوجود الإسلامي- العربي في الأندلس أقلها دموية وأكثرها تفاعلا قبل أن ينفجر تصفيات وإبادات انتهت إلى خروج المسلمين من بلاد الأحلام التي شادوها، لكن ما تبقى من علاقة كانت دائما متوترة، جاء الصليبيون ليحرروا قبر المسيح فسادوا في المنطقة العربية- الإسلامية دماء وخرابا امتد لأربعة قرون خلت، ومن ثم ذهب العثمانيون إلى أوروبا لمدة خمسة قرون على الأقل ساد فيها السيف والقتل، ومن بعدها عاد الغرب إلى بلادنا مستعمرا كل ما ملكت يداه من مستملكات وبشر وثروات، ثم كان التأسيس لدولة الكيان العنصري إسرائيل فانفتح بذلك فصل جدي آخر من العداوة بين الغرب والشرق، احتضان كامل لكيان على حساب شعب مظلوم هو الشعب الفلسطيني الذي لا يزال حتى الآن الشعب الوحيد المحتلة أرضه في العالم ومع ذلك تصوت الولايات المتحدة وغيرها ضد إعلان فلسطين دولة مستقلة وإزالة الاحتلال.وجاءت أحداث 11 سبتمبر لتقصم ظهر بعير العلاقات بين الغرب والمسلمين لكن الغرب لم يتعظ ويكشف عن الأسباب الفعلية كردة فعل على القهر، فغزا العالم الإسلامي من أفغانستان إلى العراق ومن ثم اعمل الفتن في العالم العربي المتنقلة من العراق وليبيا إلى سوريا واليمن ومصر فضلا عن فلسطين ولاسيَّما في غزة.واليوم جاء الهجوم على شارلي إيبدو ليضع الجميع مجددا أمام الحقيقة التي لا يريد أحد أن يواجهها بكل صراحة وبالتالي إيجاد علاج جذري لها.إذا نحينا جانب الموروث التاريخي الدموي والسلبي في العلاقة بين الغرب والإسلامي، رغم صعوبة تنحية ذلك، فإن على جميع الأطراف أن يقفوا وقفة ضمير مع أنفسهم ومع مصالحهم ما دام عالم اليوم عالم مصالح أيضا.هناك في المقلب الغربي، الأوروبي والأمريكي، مشكلة مع الهويات التي باتت جزءا من بنية المجتمعات التي أقامت لها دولة ذات بنية علمانية، فإذا كان من حق هذه الدول أن تقيم الهيكل السياسي والحقوقي والقيمي الذي تريد وعلى الآخرين أن يمتثلوا لهذه المنظومة غير أن التجارب دلت على أن هذا لن يحقق الاستقرار، فهناك جماعات تقدر بالملايين في أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا لها قيمها وخصوصياتها وحساسياتها وهي تمتثل للنظام العام في البلد الذي تقيم فيه لكنها في الوقت نفسه محرومة من ممارسة هويتها الثقافية أو جزء منها والتي لا تتعارض مع النظام العام بل هذا حق من حقوقها الذي يحفظه هذا النظام بل أكثر من ذلك تتعرض هذه الفئات إلى إهانة مقدساتها وفي مقدمهم نبي الرحمة محمد، هذا من جهة.من جهة ثانية فإن السياسات الغربية في المناطق الإسلامية في العالم لا تزال تغلب الاعتبارات الاستعمارية من نهب الثروات وترسيخ الاستبداد إلى التمييز الكامل ضد المسلمين لصالح الكيان الإسرائيلي الذي زرعه الغرب في قلب الأمة العربية والإسلامية ليكون عصا يضرب بها أي محاولات للتنمية والاستقرار والسلام في المنطقة، وهذا كله ما يثير ردود فعل تصل أحيانا إلى درجة استخدام العنف مثل هجمات 11 سبتمبر أو هجمات باريس الأخيرة.لكن في البعد المتعلق بالعالم العربي والإسلامي فإن الهجمات التي تحدث في الغرب من قبل إسلاميين لم تكن يوما من تنظيم دولة أو أجهزة رسمية عربية أو إسلامية بل من جانب جماعات مصنفة في العالم الإسلامي نفسه على أنها إرهابية أو راديكالية تسيء إلى هذه المجتمعات قبل أن تسيء للغرب. وهذا يفرض على المجتمعات الإسلامية أن تتحمل مسؤوليتها وتمنع الظروف التي تنتج مثل هذه الجماعات التي تسيء إلى صورة الإسلام وبالتالي إلى تأليب الغرب والآخرين على مجتمعاتنا ومصالحنا.وبقدر ما نكون يدا واحدة وصلبة في الدفاع عن حقوقنا في فلسطين وفي ثرواتنا وفي سيادتنا على أراضينا، بقدر ما يجب أن نكون مسلمين حقيقيين نقارع الرأي بالرأي لكن نذود بالسلاح عن حياضنا عندما يتعلق الأمر بالعدو الإسرائيلي أو برد غزوات الآخرين علينا.المسؤوليات مشتركة وليس في هذا الجانب فقط أو ذاك.