31 أكتوبر 2025

تسجيل

العرب في ميزان دول الجوار الإقليمي

17 يناير 2015

العالم العربي اليوم أشبه ببحر هائج تتلاطم أمواجه، وتتعاكس توجهاته. فالحركات الشعبية التي ضربته في العمق نهاية العام 2010 لم يستقر حراكها بعد، بل هناك من يتنبأ بموجة جديدة من الثورات ليس بالضرورة أن تنطلق شرارتها في العام الجاري لكنها بالتأكيد ستختمر فيه طالما أن المطالب الأساسية للحراكات الشعبية لم تتحقق، والتي تتمثل في مجتمع أكثر عدالة وأكثر توفيرا لفرص العمل. والثورات التي تبعتها ثورات مضادة في الإطار العام تندرج تحت عدم استقرار الحراكات الشعبية، وإن كانت سارت باتجاهات تبدو متناقضة للوهلة الأولى. ربما صراعات الهوية والمشاريع المختلفة هي ما يعلو سطح هذه الحراكات، مع فائض عنف، يعلو المشهد السياسي برمته في مناطق عدة من العالم العربي.بعيداً قليلا عن الصورة العربية، تتسع الرؤية فنشهد تناميا في القوة لدول الجوار، تركيا وإيران. ولكل منهما مصالح وتطلعات.. وقد كشفت الأحداث الأخيرة من حراك وأزمات عن تصاعد للنفوذ الإقليمي لكل من إيران وتركيا في وقت نشهد فيه تزايد ضعف المنظومة العربية لأسباب كثيرة، منها الثورات، ومنها من انحرف بحراكه المطلبي تحت ضغط موازين قوى إقليمية ودولية، دون إغفال التناحر العربي العربي الذي يفتح أبواب المنطقة واسعا أمام فائض عنف، يعلو المشهد برمته.العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران كبيرة وهي التي تدفع بحكومتي طهران وأنقرة إلى المحافظة على إبقاء قنوات التواصل السياسي على مستوى عال ومستويات دبلوماسية أخرى وهي تمنع بدورها فلتان حدود التنافس السياسي إلى منزلقات المواجهة التي ليس للبلدين أي مصلحة في قيامها، خصوصا أنهما يتفهمان المصالح الحيوية التي تطال بمستوياتها الأمن القومي لأنقرة وطهران. وهذا الأمر قد لا يحرجهما أمام الحلفاء في الإقليم أو العالم، فموقع تركيا وإيران وحجمهما يتيح لهما ضمن أحلافهما الدولية من موسكو إلى واشنطن مرونة واستقلالا في الحركة وحجماً لا يمكن تجاوزه.في العالم العربي تلتقي إيران وتركيا عبر أنساق التاريخ والثقافة والموقع الاستراتيجي.. تتقاطع المصالح وتتشابك. فالعلاقة بينهما لم يحكمها نهج واحد، ولا يؤطرها قانون ثابت. تارة في تعاون، وطورا في تنافس، وأحيانا يرقى الخلاف إلى صراع مفتوح من كل الجوانب.وإزاء تنامي النفوذ التركي الإيراني في عدد من المناطق العربية، تبدو معظم الدول العربية غارقة في هواية التصادم فيما بينها ومتروك مصيرها لسياقات خارجة عن إرادتها، سياقات تقوم على عوامل كثيرة تديرها القوى الإقليمية والدولية.الخسارة والربح لكل من إيران وتركيا في العالم تبدل بحسب الظروف الداخلية للدول والتحولات التي طرأت على المشهد العام في أكثر من منطقة.قبل الربيع العربي كانت إيران تتقدم في العراق وسورية ولبنان وفلسطين على حساب الحضور التركي، إلا أن الرياح التي حملتها الثورات فتحت الباب على مصراعيه أمام النفوذ التركي الذي اعتبر حليفا قويا وواعدا للإسلام السياسي الذي تقدم في أغلب الدول العربية. النكسة التي ضربت الإخوان في مصر غيرت مسار التحولات في سباق الصراع التركي الإيراني، فتراجع النفوذ التركي كثيرا في حين الأمور قد لا تكون بالضرورة جرت لصالح إيران إذا ما استثنينا الضغط الكبير الذي خُفف عن النظام السوري والتبدل في المزاج الدولي بعد إزاحة الإخوان وقدوم عبد الفتاح السيسي للحكم.تمدد داعش في العراق وسورية شكل ضربة قوية لإيران لصالح قوى أخرى ليست متجانسة تماما منها تركيا ودول الخليج، في حين أعاد التقدم المفاجئ للحوثيين في اليمن دفة النفوذ الإيراني لوضعه الطبيعي في صراع المحاور وتشابك المصالح. يبقى الملف النووي الإيراني وما قد تنتهي إليه الحلول بشأنه خلال العام الجاري الأثر الكبير في التنافس التركي الإيراني والذي سيترك تداعيات كبيرة على المنطقة العربية الغارقة في تنافس وتطاحن وغائبة تماما عن خيار هندسة إستراتيجية متكاملة تهضم التحولات الإقليمية الكبيرة في المنطقة.