15 سبتمبر 2025

تسجيل

تونس تنتظر إقرار الدستور الجديد (2-2)

17 يناير 2014

ويعتبر أيضاً تضمين حقوق المرأة ومكتسباتها في نص الدستور الجديدة نقطة إيجابية. ففي النص الأول الذي اعتمدته «لجنة الحقوق والحريات»، التي أعدت الفصول المتعلقة بالحريات، تم اعتماد صيغة «التكامل بين المرأة والرجل»، لكن رفض المرأة التونسية الذي عبرت عنه بالاحتجاجات والتظاهرات لدور التكامل حال دون الإبقاء على هذه الصيغة. فقد طالبت الكتلة النسائية البرلمانية، وهي كتلة ضمت نساء من مختلف الأحزاب، أيضاً بدورها بإدراج مبدأ التناصف، أي أن يكون في كل القوائم الانتخابية ذات العدد من المرشحين الذكور ومن المرشحات الإناث، فأصبح الفصل ينص على النحو التالي:45: « تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة، وتتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة». وتعتبر تونس البلد العربي الوحيد منذ العام 1956 الرائد في منح أفضل الحقوق للمرأة، باستثناء ما يتعلق بالميراث نظراً إلى أن الإسلام هو دين الدولة. لكن الإقرار بالمساواة الكاملة على صعيد المواطنة ستكون تداعيات في المستقبل، لجهة رفــع العقـــبة الأخيرة، أي انعدام المساواة في ما يتعلق بالإرث. ورغم بروز الانقسامات السياسية بين نواب حركة النهضة، ونواب المعارضة، واصل المجلس الوطني التأسيسي في تونس التصديق على مشروع الدستور الجديد، وتحديداً التصويت على مواد الباب الرابع الخاص بالسلطة التنفيذية، وبحسب مواد هذا الباب فإنّ السلطة التنفيذية ستكون موزعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وستكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان ويمكن أن تكون موضع مذكرة حجب ثقة. وفي تفاصيل جلسات التصويت التي جرت، فقد تمّ إسقاط الفصل 73 من الدستور الذي يحدد شروط الترشح لرئاسة الجمهورية بعد نقاشات حامية. وتنص هذه المادة على أنّ الترشح لرئاسة الجمهورية في تونس هو حق لكل ناخبة أو ناخب من أب وأم تونسيين، وأن يكون مسلماً. وتنص أيضاً على ضرورة ألا يحمل المرشح لهذا المنصب في تاريخ تقديم ترشحه جنسية أخرى وألا يقل عمره عن 40 سنة على الأقل ولا يزيد على 75 سنة على الأكثر وأن يحصل على تواقيع عدد من النواب أو رؤساء الجماعات المحلية أو ناخبين مسجلين بناء على القانون الانتخابي. ولم يعرف متى ستتم إعادة النظر في هذا الفصل. واتفقت الكتل النيابية مبدئياً، على انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، بعدما كان ينتخب من البرلمان. كما أسندت إلى رئيس الجمهورية صلاحيات رسم السياسة الخارجية والدفاعية للدولة والتعيينات في الوظائف الدبلوماسية العسكرية والمرتبطة بالأمن الوطني، إضافة إلى استشارته في تعيين وزيري الخارجية والدفاع. ويعتبر مراقبون أن النظام السياسي المحدد في الدستور الجديد، «مختلط» بين الرئاسي والبرلماني، إذ أعطى صلاحيات كبيرة للحكومة مقابل صلاحيات الدفاع والدبلوماسية وحل البرلمان لرئيس الجمهورية. وشهدت المناقشات حول الباب المتعلق بالسلطة القضائية، انقساماً حاداً بين نواب حركة النهضة وحلفائها ونواب المعارضة، إذ أكد رئيس الكتلة الديمقراطية المعارضة محمد الحامدي أن «كتلة حركة النهضة صوتت لمصلحة فصل ينص على عدم استقلالية القضاء وجعله تحت سطوة السلطة التنفيذية»، بينما ساندت كتلة «النهضة» إضافة تعديل إلى الفصل 103 ينص على أنه «تتم التعيينات في الوظائف القضائية بأمر من رئيس الحكومة باقتراح من وزير العدل». أثبتت الثورة التونسية أنها الحالة الأنجح في التحول من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، نظراً إلى يقظة الشعب التونسي، لاسيَّما منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية المعارضة، والمنظمات النسائية، التي أبدت حرصاً كبيراً على أن يكون الدستور التونسي الجديد يعكس آمال الشعب التونسي في التطلع نحو بناء ديمقراطية جديدة، تسود فيها المساواة أمام القانون. إضافة إلى أن طبيعة الثورة السلمية التونسية ويقظة المجتمع المدني، فرضتا على حركة النهضة أن تكون متمايزة عن الإخوان المسلمين في مصر. وهذا ما قاد إلى تكريس سياسة التوافق الوطني بين سلطة النهضة والمعارضة، تجاه عملية الانتقال الديمقراطي بدلاً من سياسة الغلبة والتفرد بالسلطة. إن التوافق بين الخصوم في العمل السياسي هو جوهر العملية الديمقراطية. وأثبتت التجربة التونسية أيضاً أن التوافق والحوار الوطني المفضي إلى التنازلات السياسية بين السلطة والمعارضة تغليبا لمصلحة الوطن والشعب هو الطريق الأسلم والأنجع للتغلب على الأزمات الكبيرة.