15 سبتمبر 2025
تسجيلإنّ الحروب الهجينة واللا تناظرية مكّنت الفواعل غير الدولية، مثل حركات المقاومة من استخدام الجانب السيبراني بشكل متزايد في عملياتهم، ومثال ذلك حركة حماس؛ فعدم التماثل في الحروب والصراعات وفرّ لها فرصًا سرّية في جوهرها للتخزين والنقل ونشر القدرات السيبرانية مع حاجة أقل بكثير للموارد التنظيمية والقدرات المالية أو البشرية مقارنة بالحرب التقليدية. وبما أن القدرات السيبرانية مناسبة تماماً لدعم الحملات الإعلامية، فهي مفيدة للتأثير في الجمهور دون لفت انتباه وتداعيات العمليات الأكثر وضوحاً. منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023 ظهر مفهوم «الحرب الهجينة»، الذي يمزج بين العمليات الحركية وغير الحركية (أي الرقمية) في ساحة المعركة. في حين أن العمليات السيبرانية تقليدياً كانت غير حركية، فإن تحولاً نموذجياً بدأ يلوح في الأفق، حيث إن الهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحيوية - مثل محطات الطاقة والاتصالات - لديها القدرة على تحقيق نتائج حركية ملموسة تعطل العمليات المحلية، ويمكن أن تؤدي إلى فوضى واسعة النطاق. هذا النوع من الأحداث له سابقة، فقد بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا من خلال هجوم سيبراني يعرف بالحرمان من الوصول إلى الخدمة الموزعة DDoS أي عبر اقتحام الأنظمة أو الخوادم أو الشبكات بهدف السيطرة على مواردها ومعدل نقل بياناتها، بحيث يصبح النظام غير قادر على تلبية الأوامر اللازمة أو المطلوبة منه، مما يؤكد الطبيعة المتشابكة للحرب الحديثة. ومع تزايد انخراط الجهات الفاعلة غير التابعة لدول بعينها في عمليات على أرض الواقع؛ فإننا نلاحظ نمطاً مماثلاً في الصراع السيبراني الدائر اليوم بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية والذي بدأ من سنوات وظهر جلياً في عملية طوفان الأقصى. حتى كتابة هذه السطور، فإنّ معظم النشاط السيبراني الهجومي الذي استهدف إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023 تم تنفيذه من قبل مجموعات ناشطة في مجال القرصنة (وكلاء سيبرانيون)، يظهرون الدعم والتضامن مع القضية الفلسطينية، ومنشأها دول إسلامية وعربية، وقد اتخذ معظم هذا النشاط شكل هجمات رفض الخدمة الموزعة ضد منصات ومواقع الإنترنت، وتشويه مواقع إلكترونية إسرائيلية، وتسريب البيانات لمختلف المؤسسات التي تعتبر أهدافاً رفيعة المستوى وعظيمة القيمة. على سبيل المثال ثمة نوع من الأنشطة التي تمت ملاحظتها في بداية الحرب، وهو شن هجمات نشر الخوف من خلال المجال السيبراني، إذ استغلت مجموعة قرصنة مؤيدة للقضية الفلسطينية يطلق عليها اسم Anon Ghost ثغرة أمنية في واجهة برمجة (API) الخاص بتطبيق الإنذار الصاروخي الإسرائيلي Red Alert وأرسلت تحذيرات صاروخية زائفة إلى المستخدمين. وتمكن الهاجمون من الوصول إلى خادم يقوم بتشغيل اللوحات الإعلانية الذكية في تل أبيب، وقاموا بتغيير الإعلانات التجارية إلى محتوى مؤيد للمقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى لقطات من حرق العلم الإسرائيلي. كما أن الهجمات السيبرانية استطاعت إيقاف أكثر من 100 موقع، من بينها الموقع الإلكتروني الرسمي لجهاز المخابرات الإسرائيلية. إن هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل ينظر له خبراء على أنه يمثل نهاية مفهوم التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي وقدرته على ردع منافسيه. إذ إن إسرائيل التي تعتبر رائدة عالمياً في مجال الأمن السيبراني وفي قدراتها السيبرانية سواء على مستوى الدفاع أو الهجوم يطرح سؤالاً عن قدرة الفواعل والحركات من غير الدول مثل حركة حماس بما تثيره من قدرات سيبرانية تستطيع من خلاله مواجهة عدوها وتحقيق نتائج على أرض الواقع عبر تعظيم قوتها الصلبة أو الناعمة. هذا يذكّرنا بما أشار إليه (مقدم في مديرية الإنترنت التابعة للجيش الإسرائيلي) بمقال له عنونه بـــ «داخل فخاخ حماس السيبرانية»، من أن القدرات السيبرانية تقدم خيارات بديلة لحركة حماس لتعزيز استراتيجيتها وقدراتها السيبرانية والتي سوف تستمر في التقدم، وتستفيد من الأدوات المتاحة عبر طرق من شأنها أن تمارس أقصى قدر من التأثير في البيئات التشغيلية المختلفة. صحيح أن إسرائيل كانت قد أعلنت سابقاً عن سيطرتها على ترددات الاتصالات في قطاع غزة، لكن تصاعد الهجمات السيبرانية أثار تساؤلات عن المزيد من الشكوك حول كيفية تشغيل حركات المقاومة لبرنامج سيبراني في ظل هذه الظروف، ويبدو أنها استطاعت من الاستثمار في هذا المجال عبر تطوير أدواتها السيبرانية وبناء شبكة من «الوكلاء السيبرانيون» المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في أنحاء المعمورة. في النهاية، يعكس البعد السيبراني في الحروب اللا تناظرية والحروب الهجنية تفاعلًا مع التطورات التكنولوجية المستمرة، ويبدو هذا ما التقطته حركات المقاومة الفلسطينية ومنها حركة حماس لضمان قدرتها على التأثير في ساحة المعركة وتحقيق بعض أهدافها، ابتداءً من تنفيذ هجمات سيبرانية بشكل متنقل ومرن بفعالية، مروراً بالتأثير بشكل كبير في الرأي العام للطرف المستهدف وتحقيق بعض الأهداف دون الحاجة إلى وجود عسكري مباشر على الأرض، وليس انتهاءً باستخدام البعد السيبراني كوسيلة لإنشاء سردية مضادة تؤكد على عدالة القضية الفلسطينية.