18 سبتمبر 2025
تسجيلدائماً ما يشغلني المجال الثقافي لأنه دائماً ما يكون محدوداً في دائرة نقاشية أو ظرفية لا يتم استيعابها على سلوكيات تنظيمية أكبر. وفي الحقيقة التي لا تدرك بشكل واضح بأن المجال الثقافي هو أساساً ذلك السلوك الأكبر الذي يسير عليه مجرى حياتي وإداري واجتماعي واقتصادي عام وعلى مستوى دول. فليس من السهل إدراك الأهمية الثقافية، لأن المسألة تركيبية، إذ تتطلب الإدراك التكيفي ما بين محيطين داخلي وخارجي في نفس المكان، وخلق التوازن من حيث تمكين آلية التطويع الثقافية بشكل يساهم في التغيير وليس في التطبيع، وبعيداً عن خلق مناطق الشك وفقدان الثقة، وهذا يعتبر التحدي الأكبر. وبناء على هذه المقدمة الموجزة، يتطلب منا النظر بشكل أعمق في المناظير الإستراتيجية في المؤسسات ومدى قدرتها على مواكبة التغييرات الاجتماعية والاقتصادية من خلال مبدأ الثقافة التسييرية. إذ لابد وأن نضع الثقافة بعين الاعتبار على أنها محرك فاعل وتركيبة معقدة تعمل على التوازن أو تسبب الخلل. بالتالي، عملية دمج المفاهيم الاجتماعية نحو التنمية الاجتماعية قد تكون صعبة ومعقدة في إدراك تبعاتها على المجتمع بشكل واضح، ولكن من المفترض أن ترى في نهاية الأمر الصورة الأكبر ليس للتنمية بالمنظور الإستراتيجي، إنما لهوية سادت على تلك التنمية وحددت مسارها الثقافي على مستوى عام ومؤسسي. وهذا ليس بمدح، خاصة إن ظلت هذه الهوية تسبب التعطيل بدلاً من التكييف. فلنلاحظ في هذه الحال، مدى تمكن العزلة الثقافية في مؤسسة ما وكأنها هيمنة عرفية وإقرار من جماعة. ولا أخص بالثقافة هنا ما يتعلق بالفن والتجريد فقط، إنما العرف الاجتماعي الذي يخلق الوعي المجتمعي من نفس المجتمع ويقوم بمهاجمة نفس المجتمع من خلال نفس الوعي الذي اتفق عليه المجتمع! سبق وذكرت لكم مدى تعقيد هذه العلاقة التي تربط العرف بالتجديد، لأن من الصعب أن نحصر العرف على الحدود الأسرية، خاصة وإذا لم نستيقن أنه ما زال هناك عدة قرارات غير مكتوبة قد تكون نتاجاً لأعراف اجتماعية في المحيطين والتي تضعف عندما تحاول أن تخلق الوعي المضاد للعرف. فلا أحد يمتلك القوة لنكران العرف على قدر امتلاك القوة للتحكم بالقوانين وتشريعاتها. لهذه الدرجة اكتشفت أن للعرف الاجتماعي هيمنة خطيرة، خاصة وعندما ينتج المجتمع العرف الذي يمثل له العائق، من دون الجرأة لمواجهة هذا النتاج العضوي المجتمعي. ولنتخيل نفس هذا المجتمع الذي ينتج تضييقاته بنفسه، هم نفس الجماعة التي تتربع على الكراسي الإدارية في مؤسسات من المفترض أن تواكب التغييرات الاجتماعية والاقتصادية بشكل أكثر إبداعي وسلس، من حيث فهم الخصوصيات وتفكيك القيم التي لا تتلاءم مع عمليات التطوير في نفس الوقت. وكما سبق وذكرت بأن مثل هذه الخطوات قد تعتبر خطوات صارخة لمعايير عرفية خلقتها الجماعة بنفسها لدرجة أنه أصبح لحرية الفعل داخل المؤسسة هوامش تضييقية نحو السلوكيات التنظيمية، حيث تجد مناطق الشك في صيرورة العمل والتي قد تكون رادعاً للتقدم، المواجهة، لدرجة تفقد من خلالها الثقة في اتخاذ القرارات الفرعية والمركزية على مستوى تفقد فيها السيطرة أيضاً على احتواء الكفاءة والتي قد تتحول إلى كفاءة مسيرة، وفاعلية الاتصال والخطط الإستراتيجية الرشيقة. والأهم، مواكبة التقدم بالتوازن مع معايير السلوكيات الأخلاقية والقيم. خلاصة: ما يقابل التغيير المؤسسي ثقافة تلعب الدور المحرك للسلوك التنظيمي، ولا شك بأن القيم والمعايير تظل أساساً خاصاً للجماعة، ولكن يظل التوازن مطلوبا والقدرة على تفكيك القيم بما يتناسب مع الحركة التنموية لمنح أكبر فضاء ممكن للمثاقفة والتبادل. من هذه التركيبة نحن نخلق المرونة في التقدم على المستوى المجتمعي، وتقبل التكيف من خلال منح المنظور الثقافي التسييري القدرة على التجديد، حيث تكون مقاومة للتربع الإداري الهامشي لحرية الفعل من خلال خلق مناطق الشك، على حساب هيمنة سلطة العرف الاجتماعي في المؤسسة. [email protected]