13 سبتمبر 2025
تسجيل"من يتحدث عن انسحابنا كشرط لتشكيل الحكومة، فهذا شرط تعجيزي". ما سبق كان مقتطفاً من خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في ذكرى عاشوراء يوم الأربعاء الفائت. معروف لدى الجميع أن لبنان يعيش فراغاً حكومياً منذ حوالي ثمانية أشهر بعد أن تعثر الرئيس المكلف تمام سلام في تشكيل حكومته رغم سيل الترشيح الذي ناله عقب استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. الفراغ لم يقتصر طبعاً على الحكومة، وإنما بدأ يدبّ في جسم المناصب العليا للدولة، فرفض التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي المحسوب على تيار المستقبل حين انتهاء ولايته، في حين رحّب الجميع بالتمديد لقائد الجيش جان قهوجي. وبين التمديد ورفضه، ولكلّ حساباته، تخيّم غيوم الفراغ على سماء الرئاسة الأولى مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان الذي، على ما يبدو، أن أطرافاً ترغب في تمديد ولايته هي أقرب إلى قوى 14 آذار، في حين أن حزب الله وحلفاءه لا يرغبون بالبقاء به، ويفضلون الفراغ على التمديد ولكلّ أسبابه أيضا. يوم انتهت ولاية المجلس النيابي قبل عدة شهور، كان يفترض أن يتجه اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار نواب جدد يمثلونهم تحت قبة البرلمان. يومها كانت الكتل السياسية الكبرى (المستقبل، حزب الله، أمل، كتلة جنبلاط) يرغبون بالتمديد لنوابهم حفاظاً على أحجامهم داخل البرلمان، بانتظار ما ستسفر عنه المعارك الدائرة في سوريا بين المعارضة والنظام. اليوم يطرح التمديد من جديد، فمع تقدم القوات النظامية ضدّ فصائل المعارضة السورية، يجد حزب الله أن الأمور بدأت تميل لصالح حليفه في سوريا، وبالتالي رهان خصوم الداخل (المستقبل) على سقوط الرئيس بشار الأسد ذهب أدراج الرياح، وعليه إذا كان تيار المستقبل بشخص من يمثله (الحريري) يريد أن يبقى حاضراً في الحياة السياسية، فإنه يفترض عليه أن يقبل المشاركة في حكومة وحدة وطنية، مدروسة بالعدد والتوازنات والمهام، دون شروط، والتي دون شكّ، لن يكون من بينها اشتراط انسحاب حزب الله من سوريا. قالها نصر الله بوضوح: "من يتحدث عن انسحاب حزب الله من سوريا كشرط لتشكيل حكومة فإنه يطرح شرطا تعجيزيا، ونحن لا نقايض وجود سوريا ولبنان والمقاومة وفلسطين ببضع حقائب وزارية قد لا تثمن ولا تغني عن جوع". وحسم نصر الله الجدل بشأن التفاوض حول وجوده في سوريا وحتى حول سلاحه في لبنان بالقول: "عندما يكون هناك أخطار إستراتيجية تتهدد المنطقة، فذلك أعلى بكثير من شرط المشاركة في الحكومة". رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، صاحب أكبر كتلة سياسية في البرلمان، والذي أُسقطت حكومته رغماً عنه عام 2010 بدعم من حزب الله، لم يتأخر كثيراً في الرد على خطاب نصر الله. فهو، ومن خلفه السعودية التي تحتضنه وتؤيده، يرى أن نصر الله عناهما في خطابه أكثر من أي أحد آخر، فكان ردّ الحريري، وهو لسان حال السعودية: "حزب الله لن يستطيع بعد اليوم أن يفرض على اللبنانيين شروط المشاركة في الحياة السياسية". لا يلام الحريري على موقفه وشروطه، وله الحق في أن يشترك في الحكومة أو يرفض، وفق قواعد اللعبة السياسية، كما لحزب الله الحق نفسه. لكن ما يصح قوله في هذا المضمار، أن لبنان هذا البلد الصغير بحجمه، المركب بتعقيداته الطائفية بات كرة مضرب بين لاعبين كبار يتقاذفونه مع التيار وعكسه لتسجيل هدف هنا أو هناك. ربما لم يعد يدور في خلد السياسيين المحليين ما إذا كان البلد على شفا الانهيار الاقتصادي أو بدأ انزلاقه نحو دولة فاشلة. لم يعد يهم عند أغلبهم أن يبلغ العجز التجاري 140% من حجم الناتج الإجمالي للبلاد أو أن نصف سكان البلد حاليا هم من اللاجئين، أو أن تقفز نسبة الفقر إلى حدود 54 %. وإلى أن يعود الفرقاء السياسيون إلى حساباتهم اللبنانية، ربما يكون البلد، قد تلاشى تماما، أو لم يبق منه سوى أطلال وطن.