17 سبتمبر 2025

تسجيل

تداعيات العملية الأمريكية على ليبيا

16 أكتوبر 2013

تشكل عملية "إلقاء القبض" على أبو أنس الليبي، القيادي في تنظيم "القاعدة"في طرابلس، في الخامس من أكتوبر الجاري من أمام منزله بطرابلس، من قبل كوماندوس "نيفي سيلز" الذي قتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في أبوت آباد بباكستان العام 2011، جزءاً من السياسة الأميركية التي تمارس العنف، و تستخدم القوة في فرض سطوتها على العالم . و ليس لها غير القوة سلاح . و هذه القوة متعددة الأشكال و الأساليب، و لكن القوة العسكرية هي أداتها . وتستخدم القوة العسكرية حسب الحاجة إليها، و بالأسلوب المناسب . فهناك التلويح باستخدام القوة أي التهديد، و هناك الاغتيال، وهناك إثارة التمرد الداخلي على قوة معادية، و مساندة دولة مجاورة، و هناك الغارات و الغزو، و تحريك الأساطيل ..الخ . و حكومات الولايات المتحدة الأمريكية، مثل كل الحكومات الإمبريالية، تبقى قوتها جاهزة للتدخل و تبقى خططها مواكبة لآخر التطورات . و لذلك فإن تاريخ الدول الإمبريالية، و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، منذ الحرب العالمية الثانية، هو تاريخ التدخل و الغزو و الإرهاب من كوريا إلى نيغاراغورا والعراق مرورا بليبيا . حجة الولايات المتحدة الأمريكية في عملية اعتقال الليبي نزيه عبد الحميد الرقيعي، الذي يشتهر باسم أبو أنس الليبي، و الذي كان اسمه مدرجاً على لائحة الأشخاص المطلوبين من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي (أف بي آي)الذي عرض مكافأة "تصل قيمتها إلى خمسة ملايين دولار" مقابل كل معلومة تؤدي إلى توقيفه أو إدانته،هو أن هذا الأخير يعتبر أحد المشتبه بضلوعهم في تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا في السابع من أغسطس 1998، مما أدى إلى مقتل 224 مدنيا، بينهم 12 أمريكيا.وكانت محكمة مانهاتن الفدرالية في نيويورك وجهت اتهامات إلى الليبي في عام 2000 مع 20 آخرين من"القاعدة" بينهم أسامة بن لادن والزعيم الحالي للتنظيم العالمي أيمن الظواهري، تهماً تتعلق بالتآمر في قتل مواطنين أمريكيين والتآمر لتدمير مبان وأملاك للولايات المتحدة على علاقة باعتداءات تنزانيا وكينيا. فمن تداعيات اعتقال الليبي نزيه عبدالحميد الرقيعي سيادة الفوضى في أنحاء ليبيا يوم الخميس الماضي بعد قيام أكثر من مائة رجل من قوات الأمن الليبية باختطاف رئيس الوزراء علي زيدان، كرد فعل على إلقاء القوات الأميركية الخاصة القبض على أحد نشطاء تنظيم "القاعدة" في طرابلس.ويجمع العارفون بالشؤون الليبية أن العملية الأمريكية كانت أحد الأسباب وراء اختطاف زيدان، بسبب الانتهاك الصارخ للسيادة الوطنية الليبية، حيث تسببت هذه العملية في مشاكل كبيرة وتداعيات خطيرة، لعل أبرزها تعميق المخاوف من احتمال أن تكون ليبيا على شفا الانقسام، إذ إن قوات الأمن انقسمت بين القوات النظامية وتشكيلات الميليشيا العديدة. ويعكس اختطاف رئيس الحكومة الليبية زيدان مدى هشاشة و ضعف السلطة المركزية الليبية أمام قوة الميليشيات المسلحة التي باتت تفرض قانونها الخاص في ليبيا، وتثير الرعب في الداخل كما في الخارج.. وتبدو الحكومة الليبية الحالية عاجزة عن بناء دولة وطنية جديدة، ولأنها لا تملك جيشا ليبيا نظاميا جديدا قادرا أن يبسط سيطرته على كامل الترابي الليبي، لا سيما على المنابع والمنشآت النفطية المتمركزة أساسا في الشرق الليبي، وحيث تتجنب الحكومة الليبية الدخول في مواجهات مع الميليشيات المسلحة خوفاً من اندلاع حرب أهلية داخلية بين الغرب والشرق، في ليبيا. لقد عاد شبح سايكس بيكو جديد أو إعادة تقسيم كل بلدان الربيع العربي من جديد، المفروض من الخارج للظهور بشكل متواتر مع الغزو الأمريكي للعراق في مارس سنة 2003، وليبيا في سنة 2011 . فالادعاء الأمريكي بالتفوق الأخلاقي القائم على تطبيق الديمقراطية والليبرالية يظهر كمخاتلة مشؤومة. ذلك أن الديمقراطية المصدرة بوساطة الحرب تعكس النتائج الأسوأ لخيارات مرحلة 1916 ــ 1920 المتجددة باستمرار،من خلال إعادة طرح إدارة الرئيس السابق جورج بوش مشروع «الشرق الأوسط الكبير»بوصفه الموجة الثالثة لتيار الشرق أوسطية المعاصرة في الصياغة الأمريكية والتي أعقبت الصياغة البريطانية ل«الشرق الأدنى» وكلاهما مفهوم استعماري ينطلق من نزعة المركزية الغربية التي تحكمت فيها تصورات الإمبراطوريتين، وهي تصورات ارتبطت بالجغرافيا السياسية للإقليم العربي ودورها في الإستراتيجية العالمية السائدة آنذاك. منذ انهيار الشيوعية، وبالتالي انهيار القطب المنافس أي الاتحاد السوفياتي، داعب الأمل الولايات المتحدة الأمريكية لكي تكون الإمبراطورية التي تقود عالم ما بعد الحرب الباردة ، وهو عالم بكل تأكيد شديد الاتساع والتنوع وَنزَّاع إلى الظفر بالديمقراطية بعد سقوط أعتى الأنظمة الشمولية. لكن الولايات المتحدة الأمريكية كإمبراطورية شديد الإفراط في قوتها العسكرية تفتقر افتقارا كلياً إلى مشروع ثقافي وأيديولوجي تحتل فيه المسألة الديمقراطية مركز الصدارة. ففي ظل غياب هذا المشروع الذي يقوم على نشر مبدأ المساواة والعمومية على مستوى كوني ، بوصفه مصدراً لا غنى عنه لأي إمبراطورية تريد قيادة العالم, تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد تراجعت كثيراً عن القيم التي كانت تدافع عنها خلال حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.