17 سبتمبر 2025
تسجيلألف رأس برجل واحد. موازنة عجيبة فلطالما تلكأت إسرائيل في إتمام صفقات مبادلات الأسرى السابقة مع الجانب الفلسطيني مقابل الإفراج عن أسيرها الثمين الذي أكدت حقيقة إطلاقه المتفق عليها أخيراً أنه فعلاً يعادل ألف رجل أو يزيدون وما سبق من تباطؤ إسرائيلي تجاه شراء حرية جلعاد شاليط يؤكد حقيقة أن هذا الجندي الفرنسي الأصل لا يمثل لهم بذاته أو إنسانيته شيئا. فربما تريث ساسة إسرائيل وصناع القرار فيها لموعد مناسب يُستغل فيها سياسياً رأس هذا الجندي الشهير وليجني الكيان بتحريره مكاسب شتى. فالعالم الملغوم بالميول نحو الحرص على سلامة إسرائيل سيثمن هذا الكرم العظيم للأمة اليهودية حين يكون رأس أحدهم بألف رأس من عدوهم وسيثمنون أيضا إنسانية الدولة العبرية وتسامحها الكبير حين تشرع أبواب سجونها ملياً إلى الخارج لمرور المئات من المجرمين حسب تقديرهم في دفعة واحدة مقدارها ألف رجل وأكثر. بل قد يتحدث راصد منهم بقوله انتبهوا أيها اليهود من غلظة العرب ووحشيتهم تجاهكم وتجاه شعبكم وأمتكم الموعودة وسيسطر بالأرقام أمامهم حجم القضايا الأمنية والمحكوميات بينما أنتم أيها اليهود لم تعتدوا دفاعاً عن النفس سوى برجل واحد فقط! أيضاً في هذا الصدد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن هذه النتيجة هي الأفضل التي أمكن التوصل إليها في هذا الوقت بالذات. أي أن هناك جملة مكاسب إسرائيلية متحققة ومحسوبة من وراء الصفقة. فبداية هم بذلك يعطون الثقة للوسيط المصري في ظروفه السياسية الراهنة بعد أن ولى زمن مبارك ونظامه الصديق وأصبحت العديد من ملفات العلاقة بين البلدين على المحك خاصة اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين الجانبين. آما الأهم من المعطيات الإيجابية التي يجنيها الكيان من الصفقة في هذا الوقت بالذات كما قال نتنياهو فربما تحقق الصفقة إحراجاً للرئاسة الفلسطينية التي تقدمت مؤخراً بطلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وأخذ رئيسها محمود عباس يجوب عواصم العالم بحثاً عن بعض التأييد الدولي لذلك الطلب الذي أزعج إسرائيل ومؤيديها الذين كثفوا دواعي الاتصال والتحشيد باتجاه رفضه فسمحت إسرائيل وفق حسابات متقنة لساستها لإعطاء مساحة في الواجهة لحركة حماس واستغلال ذلك في المزيد من جهود شق الصف الفلسطيني واللعب على وتر الشقاق بين الأطراف والذي استثمر طويلاً وحقق نتائج مرضية لإسرائيل تمثلت في تعطيل الكثير من بنود الاتفاق مع السلطة وإشغال الدوائر الفلسطينية والعربية عموماً بملف المصالحة بين تلك الأطراف وهذا في رأيي هو المكسب الأكبر للدهاء السياسي الإسرائيلي من وراء صفقة المبادلة تلك حين تأخذ حماس زمام المبادرة وتحقق مفاوضاتها الحرية لمئات من الفلسطينيين المحكومين بالسنوات الطوال في السجون الإسرائيلية ليعودوا إلى أطفالهم ونسائهم بجهود حماس وساستها. وحيث نبارك لكل أم فلسطينية ولكل طفل فلسطيني عودة سجنائهم إلى الحرية يبقى أن ننبه إلى ضرورة الوفاق الفلسطيني في هذه المرحلة بالذات فمثلما اعتبرت كل الفصائل الفلسطينية عملية التبادل إنجازا وطنيا هاما وقد قالت بذلك الدكتورة حنان عشراوي عضو منظمة التحرير كما قال بذلك فلسطينيون آخرون معتبرين أن هذا الحجم من السجناء والأسرى دلالة واضحة على صنوف المعاناة الإنسانية لعموم الفلسطينيين جراء احتلال أرضهم وقسرية التعامل والظلم المتنوع ضدهم وهي رسالة جلية للعالم ودوائره المعنية بحقوق الإنسان وكل الدول ليتبين لها صلف المحتل وتماديه ضد هذا الشعب الذي يبحث عن حريته ومجمل حقوقه التاريخية وهو ما يعزز مسوغات الانضمام إلى المنظمة الدولية والجلوس في قاعتها الأممية كدولة كاملة العضوية وفقا لكيانها وحدودها الدولية. وكما استثمر الفلسطينيون مناسبة الفرح بحرية أبنائهم يجب أن يستثمروا معنى الوفاق والعمل المشترك من أجل القضية مهما اختلفت الرؤى وتنوعت مسارات الجهود فهو يصب في مصلحة ذلك الشعب المظلوم فنقول للفلسطينيين اختلفوا في سبل العمل وشتتوا جهود المحتل وممارساته ودبلوماسيته واتفقوا على هدف واحد وهو مصلحة الوطن وحرية أبنائه واستثمروا المواقف والظروف لمصلحة ذلك الهدف. وتحية لحماس لهذا الجهد الذي أطلق زغاريد الفرح في بيوت لا يغيب عنها حزن المأتم. [email protected]