16 سبتمبر 2025
تسجيل"إن لم تستح فافعل ما شئت" إن لم تستح فاخترق وكالة أنباء دولة مستقلة وذات سيادة واتهمهما بدعم الإرهاب والمجموعات الإرهابية. إن لم تستح فافرض الحصار على دولة شقيقة وصديقة وعضو في مجلس التعاون الخليجي في عز الشهر الفضيل واطلب منها الرضوخ والاستسلام والتخلي عن سيادتها وكرامتها. إن لم تستح فافرض الحصار على قطر وتموّن بغازها واطلب منها تزويدك بالغاز. إن لم تستح ففبرك الأخبار والبيانات على لسان "داعش" وادعِ أن هناك تعاونا بين قطر وهذه الجماعة. في حقيقة الأمر مائة يوم مرت على حصار مفتعل مفبرك وساذج كشف مع الأسف الشديد عن سذاجة وغطرسة دول لا علاقة لها بالحكم الراشد وبالدبلوماسية وبالمسؤولية والالتزام. دول انكشف أمرها وأصبحت في قائمة البلدان المارقة التي تهرول يمينا ويسارا مستعملة الكذب والهرولة والاستغلال والابتزاز. دول نفقت الملايين في استعمال الأقلام المأجورة ووكالات العلاقات العامة العالمية للنيل من دولة قطر. بعد مرور مائة يوم على الحصار الغاشم والسافر على قطر اتضح للعام والخاص أن الخاسر الكبير من الحصار هو الدول الأربع التي اخترقت كل القوانين والمواثيق الدولية وفرضت حصارا مفتعلا وبدون سبب. بالنسبة لقطر "عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، وبكل بساطة استطاعت قطر وبكل ذكاء وحنكة أن تحول الأزمة إلى فرصة ومكسب حيث راجعت حساباتها واتخذت إجراءات هيكلية وتنظيمية استطاعت من خلالها مواجهة الحصار بكل حزم وجدية. إن الالتفاف الشعبي حول القيادة الرشيدة أجهض محاولات دول الحصار في عزل قطر عن العالم وتجويع شعبها وفرض الوصاية عليها ولي ذراعيها وانتهاك سيادتها، مؤكدين أن كل هذه السيناريوهات باءت بالفشل واستطاعت قطر في زمن قياسي أن تحبط هذه المحاولات وتحول تلك الأزمة إلى إنجازات تتحقق على كافة الصعد في زمن قياسي للالتفاف حول مكايد هذه الدول. قطر خلال المائة يوم الفائتة لقنت دول الحصار درسا في الدبلوماسية والرزانة والأخلاق واحترام الدساتير والقوانين الدولية، كيف لا وهي التي كسبت المنظومة الدولية والعالم الذي أصبح يسخر من مطالب دول الحصار وأصبح يسخر من أكاذيب المسؤولين في دول الحصار. في فجر الخامس من يونيو الماضي، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارا اقتصاديا غير مسبوق على دولة قطر، بقطع العلاقات التجارية، وإغلاق المنافذ البحرية والجوية والبرية. وراهنت دول الحصار على قدرتها على دفع قطر للاستسلام والرضوخ لمطالبها والضغط على الحكومة القطرية بهدف عزلها والقضاء عليها اقتصاديا وماليا وصناعيا. لكن بعد مرور مائة يوم على الحصار، تجلى للعام والخاص أن دول الحصار أخطأت في حساباتها وتبين أنها هي التي تكبدت خسائر على مختلف المستويات والصعدة. فخسرت سمعتها عالميا حيث كشفت الشعوب العربية والمنظومة الدولية أن دول الحصار تتكالب على قطر وأن الأسباب التي قدمتها أسبابا واهية ولا أساس لها من الصحة والهدف من الحصار هو لي عنق قطر وإرغامها على الخضوع لإرادة أبو ظبي والمملكة العربية السعودية. دول الحصار خسرت الرهان وأصبحت تهرول بإعلامها ودبلوماسيتها يمينا وشمالا وانكشفت أمورها أمام العالم، حيث انكشفت أمور دولة الإمارات في تدخلاتها السافرة في كل من ليبيا واليمن ومشاركتها في عملية الانقلاب ضد الرئيس التركي قبل سنة. بالنسبة للسعودية فالأمر لا يختلف كثيرا عن حليفتها الإمارات فيما يخص التدخلات السافرة في العديد من دول المنطقة. قطر تعاملت مع الأزمة وأدارتها بمنهجية وبطريقة آية في الذكاء والحنكة، قطر لم تهرول ولم تفبرك الأخبار والبيانات ولم تقدم معلومات كاذبة ولم تقم بالتشهير والقذف والنيل من احترام الطرف الآخر. اقتصاديا استحدثت على الفور طرق شحن مباشرة جديدة لمواجهة الأزمة بفتح خط ملاحي لنقل البضائع بشكل مباشر من الهند، وتدشين خطين بحريين جديدين إلى سلطنة عمان وتركيا وخلال ساعات فقط من إعلان الحصار، أبرمت شركات قطرية عددا من الصفقات لاستيراد احتياجات السوق المحلي من السلع الغذائية، وقامت المراكز التجارية والاستهلاكية الكبرى بحملة "معا لدعم المنتجات الوطنية" بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة القطرية، وقال وزير التجارة والاقتصاد القطري أحمد بن جاسم آل ثاني، إن بلاده استطاعت كسر نسبة كبيرة من الحصار في الساعات الأولى بالدعم التي حصلت عليه من تركيا، مؤكداً أن بلاده لم تتأثر من الحصار الذي فرض عليها من قبل بعض دول الجوار، بفضل موقف تركيا. إن الحصار ورغم مضي مائة يوم، فإن الأثر الفعلي له تبدد، كما استطاعت قطر أن تحوله لصالح خططها. وخلال المائة يوم الماضية، استكملت الحكومة القطرية عددا من مشروعات البنية التحتية من طرق سريعة وشوارع رئيسية بالإضافة إلى افتتاح ميناء حمد البحري الذي سيغير خريطة التجارة في المنطقة كلها، إضافة إلى تدشين عدد من المشروعات في مجال الزراعة والصناعات الغذائية والأسماك والألبان والدواجن والدواء والمستلزمات الطبية ومواد البناء والبتروكيماويات وتطوير القطاع السياحي بالانفتاح على 80 دولة جديدة لزيادة أعداد السائحين. كما زادت قطر من إنتاجها للغاز بـ30% مع احترام بإمداداتها بالغاز لجميع الدول التي تتعامل معها. في حقيقة الأمر الحصار كان له دور بارز في تسريع وإنجاز الخطط الاقتصادية التي كانت مدرجة ضمن رؤية قطر 2030، فالحكومة والقطاع الخاص قاموا بدورهم في مواجهة الآثار المحتملة للحصار الاقتصادي على قطر. من جهته أدار مصرف قطر المركزي السياسة النقدية خلال الفترة الماضية بذكاء كبير جدا، فأداء الاقتصاد القطري كان أفضل من المتوقع على كافة المستويات. وإن سياسات قطر الاقتصادية أسهمت بشكل كبير في التنويع الاقتصادي إلى جانب توسعها في إنتاج الغاز ما أسفر عن زيادة عائدات البلاد من النقد الأجنبي، وطمأنة المستثمرين، وزيادة معدلات النمو في مختلف المجالات. نخلص إلى القول إن قطر، الدولة المظلومة والدولة التي فرض عليها حصارا مفتعلا باطلا، غاشما وسافرا في عز رمضان، كسبت الرهان وهزمت الأعداء وخرجت منتصرة بإدارتها المنهجية والفعالة لأزمة حادة. قطر خلال مائة يوم من الحصار عرفت كيف تُفعل إمكاناتها وقدراتها وتعتمد على نفسها في مختلف المجالات وأهم انتصار يسجله لها التاريخ هو افتتاح ميناء حمد الذي أسكت الأعداء وأوقع بميناء جبل علي في دهاليز الإفلاس. الحصار كان اختبارا كبيرا لدولة قطر التي استطاعت أن تجتازه بامتياز واقتدار، الاختبار الذي مكنها من استغلال إمكاناتها بطريقة رشيدة ومواجهة دول الحصار بكل ذكاء ودبلوماسية وحنكة ونجاح. حصار أكسب قطر الكثير وألحق بدول الحصار خسائر بالجملة مست سمعتها ومصداقيتها واقتصادها وولاء واحترام شعوبها لها.