16 سبتمبر 2025

تسجيل

الغرب متآمر ...فماذا عنا نحن؟

16 سبتمبر 2015

حاولت هذه الزاوية في الأسبوع الماضي أن تدفع باتجاه التحرر من التفكير من خلال نظرية المؤامرة، من خلال التأكيد على أنه ليس كل ما يجري حولنا مؤامرات. ولكن هل يعني ذلك أن التاريخ يخلو من المؤامرات والمتآمرين؟ الإجابة قطعا بالنفي، فتاريخ علاقة الشرق بالغرب حافل بأمثلة حية على المؤامرات التي يجمعها سعي الطرف القوي دوما لحماية مصالحه عبر تجريد خصومه من مصادر قوتهم.فعندما كان المرور في أراضي المماليك مصدر قوة لهم، عن طريق ما كانوا يفرضونه من جمارك على السلع، تآمر الغربيون على المسلمين وفكروا في الدوران حول رأس الرجاء الصالح، ليحرموا المماليك من مصدر قوتهم، ويضربوا احتكارهم لطرق التجارة، وينفثوا أيضا عن قدر من عدائهم الديني الذي كانت تكنه أوروبا للإسلام والمسلمين.وعندما كان بقاء الأندلس في يد العرب مصدر قوة لهم، تآمرت الممالك المسيحية، لإسقاط حكم المسلمين في الأندلس وطردهم منها، وهو ما تحقق لهم على نحو كامل بسقوط غرناطة 1492 ميلادية، لينتهي ما يقارب الثمانية قرون من الحكم الإسلامي لإسبانيا. ولم ينته التآمر بعد رحيل الإسلام عن إسبانيا، إذ واصل الملوك الإسبان حربهم "المقدسة" في البحر المتوسط، وأسسوا سلسلة من المستعمرات المحصنة بطول ساحل شمال إفريقيا من المغرب إلى ليبيا، وأجبروا قادة المدن الداخلية على دفع الضريبة لهم، ولا تزال إسبانيا تضع يدها على اثنتين من مستعمرات ساحل المغرب، وهما مدينتا سبتة ومليلية.وعندما تنامت قوة مصر إبان حكم محمد علي، وأثبت الأخير أنه قادر على تهديد الحكم العثماني والمصالح الغربية المرتبطة به، تآمر الغربيون ضده، لكبح جماحه والحيلولة دون تسببه في تفكيك الإمبراطورية العثمانية (الغريب أن الأوروبيين كانوا يخشون وقتها من تفكك حاضرة الخلافة)، وتحركت الأساطيل الأوروبية إلى السواحل الشامية، ووجهت نيرانها إلى الجيش المصري، وأوقعت بقوات إبراهيم ابن "محمد علي" هزيمة اضطرته إلى القبول ببنود اتفاقية لندن المذلة.وحتى عندما اقتنعت دول المشرق بأن الغرب قد سبقها، وأنه لا مفر أمامها من تقليده من خلال إدخال بعض الإصلاحات الغربية على نظمها الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، أدت هذه الإصلاحات لاحقا إلى مشاكل كبيرة كان على رأسها إفلاس هذه الدول اقتصاديا، ووقوعها في فخ المديونية للغرب، وهو ما تذرعت به الدول الأوروبية للتدخل في الأمور المالية وشؤون الحكم للدول العربية توطئة لاحتلالها، وكما هو معلوم لم تؤد الإجراءات التي اتخذتها القوى الأوروبية إلى تحقيق الاستقرار أو الإعمار في البلاد التي تدخلت فيها، وإنما أدت إلى زعزعة استقرارها.على سبيل المثال، ترتب على تقليد الدولة المصرية للغرب في نظم التقاضي الخاصة به، أن اختصمت الشركة الفرنسية المستثمرة في مشروع قناة السويس الحكومة المصرية، لأن الأخيرة اضطرت إلى الانصياع لرغبات البريطانيين الذين كانوا يعارضون تزايد نفوذ الفرنسيين في مصر، ورفع موضوع النزاع إلى الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، الذي قضى على الحكومة المصرية بدفع تعويض يبلغ 84 مليون فرانك للشركة الفرنسية تعويضا لها عن الخسارة التي تعرضت لها، وكان هذا مبلغ تعويض لم يعرف له مثيل في التاريخ الحديث بأكمله.لاحقا وعندما أصبحت الدولة العثمانية عبئا على الغرب، ومصدرا محتملا للمشاكل، تآمر الغرب ضدها، وقسم ممتلكاتها، ورغم أن الأتراك شرعوا في مراحل الأفول في تقليد الغرب واستيراد نظمه ومؤسساته، إلا أن الغرب المتآمر قرر أن الجهود التي بذلها العثمانيون لا تكفي، وأشاروا إلى أن إفلاس الدولة الرسمي في عام 1875، يؤكد أنها قد أصبحت رجلاً مريضاً، يتعين أن يتم تقسيم ممتلكاته، وأراضيه بين القوى الأوروبية. وعندما ظهر التيار القومي، ونجح في إجبار الدول الغربية على منح الاستقلال لمستعمراتها السابقة، وبرزت قيادات قومية، تمثل تهديدا للغرب، ومصالحه، وبدا أنها قادرة على زيادة قوة العرب، تآمر الغرب للإطاحة بهذه القيادات التي جرؤت على التصدي للهيمنة الغربية، وكان العدوان الثلاثي على مصر، ثم عدوان 1967 على كل من مصر والأردن وسوريا أمثلة واضحة للتآمر الغربي، المباشر وغير المباشر.وعندما اكتشف النفط بوفرة في أراضي العرب، وتبين الدور الذي يمكن أن يلعبه في ميزان القوة العالمية، سارع الغرب إلى التدخل، بالمعاهدات والاتفاقات وشراء الامتيازات، ليضمن انخفاض مستوى سعر النفط، ويحرم العرب من مصدر واعد للقوة. وبدأ البريطانيون ثم الأمريكيون في عقد الاتفاقيات مع حكام المنطقة لنيل الحقوق الحصرية للتنقيب عن النفط. وتأخر الأمر حتى عقد السبعينيات ليستعيد العرب جزءا معقولاً من ثروتهم النفطية، ولكن قبل ذلك ومنذ اكتشافه مطلع القرن الماضي، كان الغرب "المتآمر" يجني معظم الأرباح ولا يترك للعرب إلا أقل القليل.وحتى بعد أن استعاد العرب السيطرة (بدرجة كبيرة) على مواردهم النفطية، تآمر الغرب من جديد ليسلبهم هذه المزية بالغزو المباشر هذه المرة، حتى أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، في خضم أحداث 11 سبتمبر الشهيرة، وفي أثناء بحثه مع مساعديه في طبيعة الرد الأمريكي على تنظيم القاعدة الذي اتهمته أمريكا بتوجيه هذه الضربة لها، وجه مساعديه إلى ضرورة البحث عن أي دور للعراق فيما جرى، وكان التدخل في العراق والاستيلاء على نفطه هدفا مقصودا في حد ذاته.أما التآمر الأبرز في سجل علاقة العرب والمسلمين بالغرب، فتمثل في تخطيط الأخير لغرس إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي، لكي تكون وكيلا للمصالح الغربية، وذراعا طويلة لها، ومصدر قلق وتهديد مستمرا لجيرانها، يحول بينهم وبين اكتمال أي مظهر للوحدة فيما بينهم.غير أن كثرة الشواهد على التآمر الغربي لا تنفي حقيقة أن الداخل هو الذي مكن لهذه الاختراقات من أن تحدث، فلولا ضعف الداخل ما امتدت إليه يد الخارج، وهذه على أي حال هي سنة الله الماضية، أن تكون قابلية الداخل هي المؤدية إلى طمع الخارج، وامتداد يده بالغي، فسنة الخالق (سبحانه) تنص صراحة على أن "هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ" ﴿آل عمران 165﴾، وهذا ما يفسح المجال أمام البحث والتحري عن أسباب الضعف ومحاولة اجتثاثها، لا الوقوف أمام التاريخ موقف المتفرج، بحجة أن ما حدث لم يكن بد من حدوثه، لأن المؤامرة أكبر من الجميع، كما يقي هذا الفهم من الوقوع في الخطأ الموازي والمتمثل في الاحتماء بأنظمة الاستبداد التي تسوق نفسها للعامة على أنها الوحيدة القادرة على درء مؤامرات الخارج، مع أن الأوقع أن هذه الأنظمة هي نفسها جزء لا يتجزأ من أسباب ضعف الداخل وعدم استكماله لعناصر القدرة على مواجهة تهديدات الخارج.