11 سبتمبر 2025
تسجيلهوس الحرب على الإرهاب بدأ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م، ومع أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قيل فيها الكثير ومن ذلك أن هذه الأحداث صناعة أمريكية بحتة، إلا أن تعاطف العالم مع قتلى تلك الأحداث كان كبيرا، مما مكن للرئيس الأمريكي آنذاك (بوش الابن) أن يحشد العالم حوله بدعوى محاربة الإرهاب. ومنذ بداية تلك الحرب أعلن (بوش) أنه سيخوض حربا صليبية، ومعروف عند المسلمين كما هو عند النصارى إيحاءات تلك الحرب التي دعا إليها البابا اربان الثاني للقضاء على الإسلام واسترجاع بيت المقدس من أيدي المسلمين، وهذه الحرب استمرت حوالي مائتي عام وقتل فيها مئات الآلاف من الطرفين، ومع أن (بوش) حاول تعديل سقطته إلا أن أفعاله التي تلت تلك التصريحات أثبتت أنه كان يعني ما يقول.مجموعة من الأمريكان وغيرهم أكدوا ما قاله (بوش)، ففوكوياما فسّر الحرب على الإرهاب بأنها حرب على العقيدة الإسلامية الأصولية التي ترفض العلمانية، أما برنارد لويس صاحب نظرية تقسيم البلاد العربية فقد قال: إن الحرب على الإرهاب هي في الحقيقة حرب بين الإسلام والغرب، ثم قال: إنها حرب بين الأديان، أما الكاتب الصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان فلم يذهب بعيدا ولكنه جعل الحرب في حقيقتها حرب على المدارس الإسلامية ورأى أنه يجب تغيير المناهج لكي يقبل الطلاب المسلمون السياسة الأمريكية بنفس القدر الذي يقبلون فيه الشطائر الأمريكية.الحرب الأولى انتهت باحتلال أفغانستان والعراق، وهذا الاحتلال خلّف عشرات الآلاف من القتلى وأكثر منهم من الجرحى والمعوقين، كما أنه دمر البلدين اقتصاديا ومعنويا، والأسوأ من هذا أنه تسبب في إحداث تفرقة عنصرية ومذهبية ما كانت موجودة قبل تلك الحرب وما زالت آثارها المدمرة موجودة حتى الآن. وخرجت أمريكا شكليا من البلدين ولكن نفوذها لا يزال كبيرا فيهما، ويكفي أن نعرف أن سفارة أمريكا في العراق هي أكبر سفارة لها في العالم، ولا أظن أنها ستترك هذين البلدين بعد أن أنفقت مليارات الدولارات وتكبدت خسائر بشرية كبيرة، فلابد لها أن تحقق مكاسب تفوق ما خسرته كثيرا، لاسيَّما ونحن نعرف أنها لم تقم بذلك العمل من أجل سواد عيون العرب أو المستضعفين العرب. يبدو أن الرئيس (أوباما) يرغب في إكمال ما بدأه سلفه (بوش) فلم يجد مطية مناسبة يمتطيها إلا الإرهاب، وللأسف فإن بعض الحكام امتطوا الإرهاب لكي يرهبوا شعوبهم، فكل معارض مهما كان نوع معارضته فهو في عرفهم إرهابي، وإذا أُطلق عليه ذلك الوصف فهذا يعني أن على الجميع أن يصمتوا وأن يتركوه لمصيره مهما كان ذلك المصير. وجد (أوباما) في دولة الخلافة المعروفة اختصارا بـ(داعش) فرصته الجيدة، فالكل يرى أن هذه الدولة تمارس الإرهاب وهي تقوم بأفعال شنيعة لا تمت للإسلام بصلة، ولا يمكن لأي محايد الدفاع عنها، وإرهابها ليس ضد النصارى أو الفرق الأخرى ولكنه وبالقدر نفسه ضد المسلمين السنة والسلفيين منهم أيضا، ولذلك قدمت داعش نفسها على طبق من ذهب لأوباما كي ينفذ مخططه على الأرض العربية. ولكن هناك أسئلة ملحة في سياق هذه الحرب طرحها البعض وهناك أسئلة أخرى سيطرحها آخرون، فالسؤال عن الأسباب الحقيقية عن الدعوة لها وعن جدواها وكذلك عن المستفيد منها ومن الخاسر الأكبر من قيامها، كل تلك الأسئلة وغيرها أمر مطلوب ومشروع، خاصة من العرب، لأنها ستقع فوق أرضهم وهم من سيتحمل آثارها ربما لمئات السنين القادمة، والسؤال الأهم هو: هل داعش من القوة بحيث تستحق حشدا عالميا ضدها؟ حوالي أربعون دولة تقودها أمريكا تتحدى ضد ميليشيات لا يزيد عددهم في أحسن الأحوال على ثلاثين ألفا.ومع الفارق الهائل بين الحشد الأمريكي وبين داعش فإن الرئيس الأمريكي قال: إن حربه ضد داعش قد تستغرق سنوات، وهذا يعني أن المنطقة العربية ستبقى تعيش صراعا داخليا لعدة سنوات قادمة سينهكها كثيرا وأعتقد أنه سيمزقها داخليا، وإذا كان الأمر كذلك فما هي مصلحة العرب من تلك الحرب؟، ثم ألا يستطيع العرب - أو بعضهم - القضاء على داعش؟ أين الجيوش العربية وأين الأموال الهائلة التي صرفت على تسليحها وثم ما هي فائدتها إذا كانت لا تستطيع حماية دولها من عصابات لا تملك إلا القليل القليل مما تملكه تلك الدول وجيوشها؟، وثم لماذا دائما أمريكا هي المتصدرة في الدفاع عن العرب حتى من ميليشيات لا تشكل أهمية أمام القوة العربية - أو هكذا يجب أن يكون؟!! قصة أن داعش تهدد الأمن الأمريكي قصة يصعب تصديقها، خاصة في ظل ما يقال عن دوافع وأسباب نشأتها وعلاقة أمريكا بكل ذلك شيء آخر لافت للنظر في موضوع داعش وهو تمددها السريع واللافت للنظر في كثير من جوانبه، فالجيش العراقي انهزم سريعا أمام مسلحي داعش في الموصل، تاركا أسلحته غنيمة سهلة لهم، وأيضا انهزم جيش البشمركة مع اشتهاره بالقوة والتدريب الجيدين، والسؤال: ألم تكن أمريكا تراقب ما يحدث في العراق؟ ولماذا سمحت لداعش بالاستيلاء على مساحات كبيرة جدا دون أن تفعل شيئا؟. أسئلة أخرى أراها تستحق الطرح، منها أن وزراء الاتحاد الأوروبي قرروا في اجتماعهم السابق تسليح الأكراد فقط، فلماذا الاقتصار على الأكراد، وهل هم وحدهم الذين سيقاتلون تنظيم داعش؟! السنة معنيون أيضا بقتال داعش فلماذا لم يسلحوا أيضا؟ أليست هذه رسالة سلبية للسنة في العراق وفي سوريا أيضا؟! أم أن عدم تسليح السنة مقصود لأغراض أخرى؟! أعتقد أن تسليح الأكراد وحدهم قد يسيء لهم أيضا، فمن السهل هنا اتهامهم بالعمالة لأمريكا وتجييش الطوائف العراقية الأخرى ضدهم، فهل هذا مقصود أيضا؟ ثم لماذا تجاهل أوباما دواعش سوريا؟ أليسوا نسيجا واحدا وطائفة واحدة ودولة واحدة؟ فهل المقصود تحقيق مصالح يهودية ومنها إضعاف سوريا وإنهاكها عسكريا لتصبح لقمة سائغة لليهود متى ما أرادوا؟ ثم ما دامت هذه حرب على الإرهاب كما قال أوباما، فلماذا صمت عن إرهاب الصهاينة وقد قتلوا آلاف الفلسطينيين ودمروا مدنهم واستخدموا الأسلحة المحرمة دوليا؟ بل ولماذا وقف إلى جانبهم وقدم لهم الأسلحة التي استخدموها لقتل الفلسطينيين؟ هل هو من يحدد مواصفات الإرهاب وبحسب المقاسات التي يريدها؟ وهل يصدق السيد أوباما أن العرب سيصدقون أنه فعلا يحارب الإرهاب كما يدعي؟ كلنا نقف مع من يحارب الإرهاب، وكلنا يرى ممارسات داعش الإرهابية التي تخالف تعاليم الإسلام وسماحته، وكلنا نتمنى أن تتوقف هذه الممارسات، ولكننا في الوقت نفسه لا نتفق مع الوسائل التي تتبعها أمريكا في حربها على الإرهاب، لأنها تحارب إرهابا خاصا يخدم مصالحها هي لا مصالح العرب، حربها على الإرهاب موجهة أساسا ضد السنة وضد الإسلام بشكل عام وهذه الحرب ستضعف العرب وستفرقهم شيعا وأحزابا يضرب بعضهم رقاب بعض باسم الطائفية والحزبية والمذهبية وغيرها من وسائل التفرقة الأخرى.الحرب على الإرهاب تستوجب قبل ذلك تحقيق العدالة بين جميع طوائف الشعب، وتأمين المتطلبات الأساسية للشعوب، ومنحهم الحريات العامة كي يعبروا عن حاجاتهم دون خوف أو وجل، وبدون ذلك تبقى الحرب على الإرهاب مجرد أمنيات صعبة المنال.