26 أكتوبر 2025
تسجيلنحن في فصل الصيف، ، وتُحلّق أفكار معظم الطلاب بعيداً عن أجواء الأعمال المدرسية والكتب. ولكننا في المجلس الثقافي البريطاني، نخطط بالفعل للعام الدراسي الجديد، وكيف يمكننا تحسين قدرات وطموحات الجيل التالي في قطر. وسيتابع المعلمون بطبيعة الحال عملهم كالمعتاد في مدارس الدولة، لكننا نتوقع إضافة أمر آخر لمئات من الطلاب القطريين من خلال برنامجنا "تقدّم" للمهارات الحياتية. "تقدّم" هو برنامج تدريبي متميز يركز على تعليم الطلاب المهارات الشخصية والأساسية التي باتت من المطالب الأبرز لأصحاب العمل – كحل المشكلات والتفكير النقدي والثقة بالنفس والإصرار والعمل الجماعي. ومن المتوقع أن يصل البرنامج، الذي يديره كل من بنك HSBC والمجلس الثقافي البريطاني، نحو 350 طالبًا في دولة قطر هذا العام. وتأتي محاور هذا البرنامج منسجمة مع الرؤية الطموحة التي تتبناها قطر، والرامية لتطوير اقتصاد مبني على المعرفة، وتنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على النفط والغاز. ويسعى برنامج "تقدّم" إلى تناول مشكلة هامة سلط الضوء عليها صناع القرار وأصحاب الشركات في المنطقة – وتتمثل في نقص في المهارات اللازمة للنمو والتطور في سوق العمل خلال القرن الحادي والعشرين، والذي يتسم بتغيراته المتسارعة، حيث لا ثوابت ولا ضمانات سوى تلك التغيرات ذاتها. وفي هذا السياق، يواجه الشباب الذين يتخرجون من مدارس وجامعات قطر خلال السنوات القليلة المقبلة تحديًا غير مسبوق في سوق العمل والتوظيف. حيث أصبح الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد جزءًا لا يتجزأ من موجة التكنولوجيا التي من شأنها أن تمحو من المشهد العديد من الوظائف وفرص العمل – بينما تخلق فرصًا جديدة في مجالات أخرى. وبحسب دراسة أجرتها مؤخرًا جامعة أكسفورد، تقدر نسبة الوظائف الحالية التي قد تتحول إلى وظائف آلية خلال السنوات العشرين المقبلة بنسبة 47%. ومن جهة أخرى، يعتقد المسؤولون في مركز كوغنيزانت لمستقبل العمل (CFoW) بأن أتمتة الوظائف والذكاء الاصطناعي سيساهمان في إيجاد نحو 21 مليون فرصة عمل جديدة حول العالم. مما يعني أن الموقف يحتمل الفوز والخسارة على السواء. وقد بدأت دولة قطر استعداداتها لهذا المستقبل منذ سنوات. وفي إطار سلسلة من الخطوات الرامية لرفع مستوى التعليم وتطوير قوى عاملة مهيأة للمستقبل، دعت قطر عددًا من أبرز الجامعات في العالم لتأسيس مقرات لها في الدولة. تمثل خدمة الاستشارات الوظيفية الجديدة، التي أطلقتها مؤسسة قطر في أبريل من هذا العام، واحدة من أحدث المبادرات في هذا الإطار، وتهدف إلى تعريف الشباب بأنسب فرص العمل المتاحة، عبر عدد من القطاعات. وتأتي الحاجة إلى هذه البرامج لتلقي الضوء على المشاكل التي يواجهها قطاع التوظيف في المنطقة. حيث كشف تقرير صدر مؤخرًا عن المجلس الثقافي البريطاني، واستطلع آراء أكثر من 500 من قادة الأعمال في منطقة الخليج، عن نقص حاد في المهارات اللازمة لازدهار قطاعات العمل في ظل متغيرات العالم الجديد. وحمل الاستطلاع، الذي أجري مؤخرا رسالة شبه جماعية من قادة الأعمال الذين عبّروا عن ضرورة تحلي الموظفين الجدد بسمات شخصية معينة، يفتقر إليها الكثيرون حاليًا. وأظهر الاستطلاع زيادة في الطلب على مهارات STEM (وهي اختصار لمهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات). إلا أن أصحاب العمل أيضًا ركزوا على أهمية تحلي الشباب بمهارات المرونة والعملية بعيدًا عن المهارات التقنية – ومنها القدرة على حل المشكلات المعقدة، والتفكير بشكل ناقد وإبداعي، وإدارة الأفراد، والتمتع بمهارات التنسيق التي تمكنهم من العمل بكفاءة ضمن الفريق. كانت الرسالة التي وجهها قطاع الأعمال واضحة: ليست لدينا فكرة عن ماهية الوظائف التي ستتوفر بعد عشرين عامًا من الآن، لذا فإن الحل الأمثل هو اكتساب مهارات مرنة تتيح للشباب التنقل من وظيفة إلى أخرى. يطرح برنامج "تقدم" حاليًا في 13 مدرسة قطرية للطلاب من المرحلة العمرية 13-15 سنة. ويتم تدريب المعلمين المتطوعين، والذين بلغ عددهم 16 معلمًا هذا العام، على كيفية الإشراف على البرنامج الذي يعكس مزيجًا من المهام عبر الإنترنت وورشات العمل والحصص الصفية، على مدار 12 أسبوعًا. ويتميز الجزء الإلكتروني من البرنامج بطابع شبيه بالألعاب الإلكترونية، مألوف لدى اليافعين في هذه المرحلة، حيث يتوجب عليهم إتمام سلسلة من المهام في موعد نهائي محدد. يقوم برنامج "تقدّم" على خمس ركائز أساسية، تمثل خمس سمات شخصية هامّة ينبغي على الشباب التحلي بها وهي: شرارة الشغف والهدف والثقة والهمّة والمشاعر الإيجابية. وفي هذا السياق، فإن شرارة الشغف تعني استقاء الإلهام والإبداع والشغف بموضوع أو نشاط معين. أما الهدف فهو الإيمان الراسخ بوجود معنى وغاية كبرى للحياة. وتتطلب الثقة إيمان الفرد بذاته، أما الهمّة فتعني المرونة في مواجهة التحديات والصعوبات. وأخيرًا وليس آخرًا، فإن تطوير المشاعر الإيجابية يشجع الفرد على التأمل الذاتي وفهم مشاعره والتعامل معها. تم تصميم البرنامج من قبل "مؤسسة غودول"، وهي مؤسسة تعليمية في المملكة المتحدة تركز على تطوير الشخصية لدى الشباب من خلال دعم الاكتفاء الذاتي والابتكار والتعاون. وقد ارتفع عدد الطلاب الملتحقين بالبرنامج في دولة قطر بمقدار الضعف تقريبًا خلال السنوات الثلاث منذ طرحه في الدولة، كما ستتم ترجمة البرنامج إلى اللغة العربية في العام المقبل بما يتيح وصوله إلى شريحة أكبر من الطلاب. كما عبرت وزارة التعليم والتعليم العالي في قطر عن اهتمامها بدمج برنامج "تقدّم" ضمن منهاجها الوطني. وفي كل عام، تتوّج إنجازات البرنامج مع فعالية "Make It Happen" التي تعتبر واحدة من أهم معالم برنامج "تقدّم"، حيث يجتمع فيها الطلاب الملتحقون بالبرنامج في مهمة أخيرة تتمثل في تحديدهم مشاكل اجتماعية قائمة في مجتمعاتهم، ومحاولة تقديم حلول لها. وتتنافس في هذه الفعالية عشرات الفرق سعيًا لكسب اهتمام وقبول لجنة التحكيم، ويتم اختيار مجموعة من هذه الفرق لعرض حلولها ومقترحاتها أمام الجمهور. وأثناء وقوفهم أمام أقرانهم وأمام لجنة التحكيم، يحتاج خريجو برنامج "تقدّم" إلى توظيف كافة المهارات التي تعلموها واكتسبوها خلال فترة البرنامج. وفيما يتم اختيار فريق فائز ومنح جوائز للمتميزين، فإن جميع من يشارك في هذه الفعالية هو فائز على أرض الواقع. حيث يصف خريجو البرنامج مدى استفادتهم منه في تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتطوير قدراتهم على العمل الجماعي، واكتساب مهارات وقيم التنظيم. وهذه هي باختصار المهارات التي يتطلبها سوق العمل المستقبلي. ونحن على ثقة أن برنامج "تقدّم" سيساهم في دعم جهود دولة قطر الرامية لتطوير مواردها البشرية، وفتح آفاق النمو والتطور لهم في عالمنا المتغير باستمرار.