14 سبتمبر 2025
تسجيلعاد رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري إلى لبنان بعد غياب قسري دام ثلاث سنوات، فقد خلالها تيار المستقبل الذي يتزعمه نسبة كبيرة من حضوره في الشارع اللبناني.. العودة كانت مفاجئة حتى للمقربين من الرجل.. وعلى ما يبدو أن دائرة ضيقة جدا كانت على علم بقرار عودته.العودة كما روج الإعلام المقرب من تيار المستقبل، تأتي للإشراف على الهبة السعودية التي قدمها الملك عبد الله للجيش اللبناني دعما له في مواجهة الإرهاب الذي تمثل في اقتتال دام لأسبوع بين الجيش اللبناني وثمانية عشر تنظيما مسلحاً سورياً من بينها تنظيمات متشددة مثل داعش والنصرة وفقاً لرواية الجيش اللبناني.. حيث قضى خلال المعارك عشرات الجنود، في حين ما زال حتى كتابة هذه السطور ما لا يقل عن عشرين جنديا ومجندا في قوى الأمن الداخلي مخطوفين لدى المعارضة السورية المسلحة .واللافت في عودة الحريري جملة أمور، أنها كانت إلى حد ما باهتة، ولم يواكبها مظاهر فرح وابتهاج كما كانت تجري الأمور عادة على الأقل حين يخرج الحريري في لقاء تلفزيوني، فطرابلس العاصمة الأولى للسنة في لبنان لم يطلق فيها رصاصة واحدة. ولم تنطلق مفرقعة نارية واحدة ابتهاجا بعودته.. يقول البعض إن السبب هو امتعاض واسع يجتاح الشارع السني من سياسات الحريري وقلق من أن تكون عودته حاملة تسوية مع حزب الله لمواجهة التشدد السني دون أن يخبرنا كيف سيواجه ما يسميه هو نفسه التشدد الشيعي مثلاً؟!مع عودته إلى لبنان انتهت أزمة دار الفتوى وتم انتخاب الشيخ عبد اللطيف دريان مفتيا للجمهورية، وهو بالمناسبة قريب من تيار المستقبل، بعد صراع دام لسنوات بين المفتي السابق الشيخ محمد رشيد قباني وتيار المستقبل على ملفات عدة نتج عنها انقسام بين المجلس الشرعي الأعلى وبين الدار عكس في طياته الانقسام القائم داخل الطائفة السنية على الصعيد السياسي..والتساؤلات الأكثر تداولاً على لسان الناس في لبنان: ما الذي تغير حتى يعود سعد الحريري إلى لبنان طالما أن الأمن ما زال على حاله، ولا أفق تسوية بينه وبين خصومه من قوى 8 آذار، وبالتالي لم تنتف الموانع التي حالت دون عودته في السابق؟! وهل الأمر مرتبط بتفاهمات مع حزب الله أو تمهيد لملاقاته في منتصف الطريق ؟ثمة سيناريو يتم تداوله، أن المنطقة دخلت في مرحلة التسويات الكبرى، وأن عودة الحريري مؤشر على قرب انفراجة في العلاقات الإيرانية السعودية أقلها على ملفين، تحيد لبنان بشكل تام عن التجاذبات السورية أمنيا وسياسيا، وهذا معناه غض النظر عن وجود حزب الله في سوريا مقابل عودة الحريري للحياة السياسية اللبنانية. والملف الثاني توافق وجهتي النظر السعودية والإيرانية على مواجهة التنظيمات السنية المتشددة مثل "داعش" و"النصرة" وغيرها.. والمبررات السعودية لمواجهة داعش لا تقل عن المبررات الإيرانية إذ كلاهما يجد في هذه التنظيمات خطرا حقيقيا إما على نفوذه في العراق وسوريا ولبنان والخليج كما هو حال إيران أو تهديداً وجوديا لملكه كما ترى العائلة المالكة في السعودية. وقد كان خطاب الملك عبد الله الأخير مشحونا بكم كبير من القلق السعودي من ظاهرة تنامي "داعش" وحجم التعاطف الذي يلقاه التنظيم داخل المملكة، وإن لم يصرح بذلك إلا أن الانتقادات التي وجهت لعلماء الدين السعوديين على لسان الملك كانت واضحة المغزى والمرامي. أصحاب هذا الطرح يستشهدون بما آلت إليه الأمور في العراق من تغيير لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وما يشبه تنفس الصعداء لدى دول الخليج بعد قبول إيران بتغيره. بناء عليه فإن التوافقات أو التفاهمات غير المباشرة تضع الجميع على أبواب تسويات كبرى بدأتها الولايات المتحدة التي على ما يبدو اتخذت قرار الحرب ضد داعش عبر انخراطها المباشر في الصراع.. وقد لحق بها كما العادة فرنسا وبريطانيا وتبعا له يتشكل محور جديد في المنطقة تقوده الولايات المتحدة وتكون السعودية وإيران أحد أضلاعه على أن ينحصر هدفه في احتواء داعش والقضاء عليها وصولا إلى جميع التنظيمات والجماعات الإسلامية المسلحة في العراق وسوريا وليبيا وغيرها !الإجابة على هذه الأسئلة ما زالت تحتمل التريث.. ولربما عودة الحريري لم تحمل كل هذه الاستنباطات.. وقد لا تؤدي إلى أيّ منها، لكن المؤكد أن عودته ستغير الكثير في المشهد السياسي الداخلي.. وهي إن بدأت بدار الفتوى، قد تتوج بحلحلة في ملفي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.