02 نوفمبر 2025
تسجيلدخلت تركيا مع انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسا للجمهورية مرحلة جديدة في الداخل وربما في الخارج. فانتخاب أردوغان بغالبية 52 في المائة متقدما على مرشحي المعارضة بفارق كبير، يرتب العديد من المتغيرات.أول هذه المتغيرات هو أن الرئيس قد انتخب مباشرة من الشعب للمرة الأولى وهذا يعني أنه أصبح هناك مقامان عاليان في الدولة يستمدان مشروعيتهما من الشعب هما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الذي هو رئيس الحزب الأكبر الذي انتخبه الشعب في الانتخابات النيابية.هذه الحالة غير مألوفة في الأنظمة الديمقراطية، إذ إن الدول التي فيها نظام برلماني مثل ألمانيا وإيطاليا مثلا ليس للرئيس صلاحيات كبيرة ولذا ينتخب من البرلمان وليس من الشعب. أما في البلدان التي ينتخب فيها الرئيس من الشعب فهي تلك التي تعتمد النظام الرئاسي مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا. وهناك دول تعتمد نظاما وسطا بين النظامين مثل فرنسا حيث إن رئيسي الجمهورية والحكومة ينتخبان من الشعب لكن بصلاحيات متوازنة بينهما. وفي حال كان الرئيس منتميا إلى حزب ورئيس الحكومة منتميا إلى حزب آخر يطال الشلل النظام نصف الرئاسي وهو ما حصل خلال رئاسة فرنسوا ميتران الاشتراكي للجمهورية الفرنسية في منتصف الثمانينيات فيما كان الديغولي جاك شيراك رئيسا للحكومة.اليوم يحتاج أردوغان إلى تجاوز هذه العقبة بصورة حاسمة وإن كان لا يرى ذلك ملحا أو عاجلا جدا. حيث إن رئيس الحكومة الذي سيخلف أردوغان في نهاية هذا الشهر سيكون من نفس الحزب الحاكم بل رئيسه كذلك وهو حزب العدالة والتنمية ولن يكون هناك تضارب في السلوك حيث إن أردوغان سيكون عمليا وبحكم الأبوة التاريخية لحزب العدالة والتنمية هو صاحب القرار السياسي المركزي رغم أن هذا من صلاحيات رئيس الحكومة.غير أن سعي أردوغان إلى الانتقال بتركيا إلى نظام رئاسي يناسبه هو ويخرجه من إشكالات كثيرة قد تواجهه في المستقبل ليس أمرا سهلا. إذ إن ذلك يتطلب أن يسيطر حزب العدالة والتنمية على ثلثي أصوات البرلمان(367 نائبا) ليعدل الدستور في البرلمان، وهذا غير متوفر حاليا. أو أن يملك 330 نائبا على الأقل لكي يستطيع إحالة أي مشروع لتعديل الدستور إلى الاستفتاء الشعبي حيث الكلمة النهائية للشعب. وهو رقم أيضاً لا يملكه حزب العدالة والتنمية. إذن، ليس من المتوقع أن يتم تحقيق أي خطوة على هذا الصعيد في الأشهر المقبلة ويجب على حزب العدالة والتنمية أن ينتظر الانتخابات النيابية في آخر ربيع 2015 وأن يفوز بثلثي المقاعد أو على الأقل بـ 330 نائبا وهذا أيضاً أمر ليس مضمونا.وهنا يواجه حزب العدالة والتنمية عقبتين أو مخاطرتين: الأولى هي أن حزب العدالة والتنمية من دون أردوغان لن يكون كما كان في عهد أردوغان ولو كان أردوغان يديره من القصر الرئاسي. وبالتالي قد يكون الحزب معرضا للتراجع أو حتى للتفسخ. والمخاطرة الثانية هي أنه إذا استفادت المعارضة من دروس الماضي وتكتلت في بعض الدوائر الانتخابية لأمكن قطع أي أمل لحزب العدالة والتنمية بتحصيل الثلثين أو الـ 330 نائبا.الأرجح أن تركيا بانتقال أردوغان إلى رئاسة الجمهورية ستواجه مشكلات سياسية من نوع جديد لم تعرفه من قبل. فأردوغان لن يرضى أن تبقى صلاحياته محدودة كما أن استمرار إدارته للحكومة عبر الريموت كونترول من القصر الرئاسي سيخلق إشكالات قد تعكس توترات في الساحة السياسية وهذا ليس في صالح أردوغان في حال مارس صلاحيات لا تدخل ضمن صلاحياته. وهو ما سينعكس بالطبع تراجع مصداقية حزب العدالة والتنمية ودخوله في دائرة المحظور.أما على الصعيد الخارجي فإن علاقات تركيا لا يتوقع أن تشهد أي تغيير جذري. ذلك أن وصول أردوغان إلى الرئاسة واستمرار حزب العدالة والتنمية في الحكومة لا يبدل من اتجاهات التفكير ورسم الاستراتيجيات في السلطة. بل سيترسخ هذا الاعتقاد بعدم حصول أي تغيير جذري في حال أصبح وزير الخارجية الحالي أحمد داود أوغلو رئيسا للحزب والحكومة وهو المهندس للسياسات الخارجية التي يتبناها أردوغان بشكل كامل منذ سنوات. وسيكون من الصعب على أردوغان- داود أوغلو أن يتراجعا عن بعض السياسات حتى لا يكون ذلك اعترافا بفشلها.حراك ملتهب في الداخل وجمود متوقع مع الخارج هما ما ينتظران تركيا بعد أن أصبح رجب طيب أردوغان رئيسا للجمهورية.