30 أكتوبر 2025
تسجيلمنذ اغتيال السياسي المعارض عضو المجلس التأسيسي الشهيد محمد البراهمي في 25 يوليو2013، تنظم المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية اعتصامات ليلية أمام مقر المجلس التأسيسي في قصر باردو. وكانت أكبر تظاهرة نظمتها المعارضة التونسية يوم الثلاثاء 6أغسطس 2013، حيث نقلت وسائل إعلام تونسية عن منظمي التظاهرة أن عدد المشاركين فيها تراوح بين 100 و200 ألف. ولم يتسن التأكد من صحة هذه الإحصاءات من مصادر مستقلة. وقال مراقبون إنّ هذا أكبر حشد تنظمه المعارضة ضد حركة النهضة التي وصلت إلى الحكم إثر فوزها في انتخابات 23 أكتوبر 2011. وجددت المعارضة التونسية التعبئة بتظاهرة جديدة في 13 أغسطس2013، الذي يصادف يوم المصادقة على مجلة الأحوال الشخصية التي منحت في 1956 النساء التونسيات حقوقا لا مثيل لها في العالم العربي، لكن من دون أن ترسخ المساواة. ويتهم العلمانيون الإسلاميون الحاكمون مراراً بمحاولة النيل من المكاسب التي حصلت عليها المرأة التونسية. وتعتبر المعارضة أن الحكومة الإسلامية مسؤولة عن تنامي التيار السلفي الذي تزعزع عملياته بانتظام استقرار البلاد منذ ثورة 2011. وتونس محرومة أيضاً من دستور نظراً إلى عدم التوافق على مضمونه بعد سنتين من انتخاب المجلس الوطني التأسيسي. في ظل تنامي ظاهرة الإرهاب الجهادي، الذي كان بمنزلة الزلزال الذي ضرب تونس بأكملها، وأذن بدخول البلاد في حالة من اختلال الأمن تمثل في مذبحة الجنود التونسيين الثمانية في جبل الشعانبي على الحدود الجزائرية، وتفجيري حلق الوادي والمحمدية في ضاحية تونس في نهاية شهر يوليو الماضي، فقدت الحكومة التونسية التي يرأسها السيد علي العريض ( من حركة النهضة )، كلّ سلطة معنوية على الشعب التونسي، بعد أن اتضح عجزها وفشلها لا في تسيير الملفات الاقتصادية والاجتماعية فحسب، ولكن وهذا الأهم في توفير الأمن العام للمواطنين، وهو الوظيفة الأولى لكل دولة. فقد وصلت الأزمة بين فئات المعارضة والائتلاف الحاكم، وتحديداً «حركة النهضة»، إلى مفترق طرق ستُحدَدُ عبره في الأيام المقبلة طبيعة المشهد السياسي في المرحلة المقبلة. وترى المعارضة التونسية الليبرالية واليسارية، أن المخرج الحقيقي للأزمة السياسية التي تعيشها تونس منذ أشهر عدة، لا يتم إلا من خلال بلورة خريطة طريق حقيقية تلبي انتظارات الشعب التونسي. فقد عملت المعارضة التونسية، وعلى رأسها «حركة نداء تونس» التي يرأسها رئيس الوزراء السابق الباجي قايد السبسي، و«الجبهة الشعبية» التي تضم 11 حزباً يسارياً وقومياً إلى جانب حزب «اليسار» و«الحزب الجمهوري» و«حزب المسار الديمقراطي »، وأحزاب أخرى، على تشكيل «جبهة الإنقاذ الوطني »، وذلك بعد التداول في الوضع السياسي في تونس إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي وانطلاق الحراك الشعبي العارم في كامل أنحاء البلاد. وقد أدانت هذه الأطراف في بيان لها هذه الجريمة النكراء وحملت الترويكا، وعلى رأسها حركة «النهضة» مسؤولية انتشار العنف والتحريض عليه والجريمة السياسية المنظّمة التي طالت لطفي نقض وشكري بلعيد ومحمد البراهمي. كما أوضح نفس البيان أنّ مهمة الجبهة تكمن في تشكيل الهيئة الوطنية العليا للإنقاذ الوطني الممثلة للأحزاب السياسة ومكونات المجتمع المدني التي ستتولى، بالاستعانة مع خبراء القانون الدستوري، استكمال صياغة الدستور في بحر شهرين يعرض على الاستفتاء الشعبي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني محدودة العدد لا تترشح في الانتخابات القادمة متطوعة برئاسة شخصية وطنية مستقلة متوافق عليها تتخذ ضمن برنامجها جملة الإجراءات الاستعجالية الاقتصادية والاجتماعية و السياسية والأمنية وتعد لانتخابات ديمقراطية، نزيهة وشفافة. وبالمقابل، أكدت حركة «النهضة» في بيان مشترك صدر عنها وعن 17 قوة سياسية، حول الأوضاع العامة بالبلاد خصوصا بعد الاغتيال الآثم للشهيد محمد البراهمي والجريمة الشنيعة المرتكبة في جبل الشعانبي في حق مجموعة من جنودنا، على تمسكها بالمجلس الوطني التأسيسي كأساس للشرعية الناتجة عن الانتخابات المعبّرة عن الإرادة العامة والحرة للشعب، والدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضم أطرافا من المعارضة. بين طرح المعارضة التونسية الراديكالي في معالجته للأزمة السياسية القائمة في تونس، وطرح السلطة متمثلة بحركة النهضة وحلفائها، الذي يريد إدارة الأزمة لا حلها، أطلق الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر نقابة( أكثر من 500 ألف عضو )، وأكبر قوة اجتماعية في البلاد، مبادرة بين المنزلتين، وتقوم على «حلّ الحكومة الحالية والتوافق على شخصية وطنية مستقلّة تكلّف بتشكيل حكومة كفاءات في غضون أسبوع على أن تكون محايدة ومحدودة العدد...»، موضحاً أنّ من مهامها «تصريف الأعمال، إشاعة مناخ من الأمن والثقة والاطمئنان لدى المواطنين بما يمكّن من إجراء انتخابات شفّافة حرّة وفي ظروف عادية وملائمة»، داعياً أيضاً إلى حلّ ما يسمى «رابطات حماية الثورة» (المقربة من «النهضة») ومتابعة مَن اقترف منهم جرماً أو اعتداء، إضافة إلى تشكيل هيئة عليا مهمّتها مراجعة كلّ التعيينات في أجهزة الدولة والإدارة محلّياً وجهوياً (في المناطق) ومركزياً وعلى المستوى الدبلوماسي». أمام احتدام الأزمة التونسية، من خلال تواصل المعارضة اليسارية والعلمانية اعتصام منذ أكثر من أسبوعين أمام المجلس للمطالبة بحلّه وإسقاط الحكومة التي تقودها حركة «النهضة» وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، ورفض الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الطرف المهيمن في الترويكا الحاكمة، حلّ الحكومة، والمجلس التأسيسي، أعلن الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي الأمين العام لحزب «التكتل» وهو أحد شريكين علمانيين في الحكم لحركة النهضة الإسلامية، تعليق الجلسات العامة للمجلس إلى أجل غير مسمى بسبب الأزمة السياسية في البلاد. وقال بن جعفر في خطاب توجه به إلى التونسيين عبر التلفزيون الرسمي «أتحمل مسؤوليتي كرئيس للمجلس الوطني التأسيسي لأعلق أشغال المجلس إلى حدود انطلاق الحوار (بين الفرقاء السياسيين)، وأنا أقوم بهذا خدمة لتونس، هدفي الوحيد هو تونس، هو ضمان وتأمين الانتقال الديمقراطي». وقد يعزز تعطيل المجلس التأسيسي موقف المعارضة أمام حركة النهضة الحاكمة التي كانت وافقت على تقديم بعض التنازلات، لكنها رفضت حلّ المجلس التأسيسي أو إقالة رئيس الوزراء. لكن اعتزام المعارضة العلمانية الاتجاه إلى إعلان حكومة إنقاذ بديلة قد ينسف جهود الاتحاد العام التونسي للشغل لإطلاق حوار ويعمق الأزمة المحتدمة بين طرفي الصراع من الإسلاميين والعلمانيين.. وكان رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي قال في مقابلة مع «رويترز» في بداية شهر أغسطس2013، إن رئيس الوزراء الإسلامي علي العريض، والمجلس التأسيسي «خط أحمر» لن يتجاوزه، وتحدى المعارضة إبداء استعداد لإجراء استفتاء لاتخاذ قرار في هذا الشأن. في ظل الأوضاع المـتأزمة، عقد لقاء بين الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، والسيد حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) بحضور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي للنظر في سبل الخروج بالأزمة السياسية. ورغم أن اللقاء لم يسفر عن نتيجة مباشرة، فإن بعض المحللين للأوضاع السياسية التونسية يشيرون إلى أن هناك قبولاً مبدئياً من حركة «النهضة» بتشكيل حكومة جديدة مع إمكانية التخلي عن منصب رئاسة الوزراء. وقد أكد عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» سامي الطريقي أن حركته «منفتحة على كل المبادرات التي من شأنها أن تسهل الخروج من الأزمة من دون خطوط حمراء»، داعياً في المقابل المعارضة إلى تقديم المصلحة الوطنية والتقدم إلى حوار من دون خطوط حمراء أيضاً، وفق قوله. ولمح الطريقي إلى إمكانية قبول «النهضة» بحكومة جديدة من دون علي العريض (رئيس الوزراء) في حال قدمت الأطراف الأخرى تنازلات مماثلة. تونس تحتاج اليوم إلى عقلاء، للخروج من الأزمة، وفرض حلّ واقعي للأزمة، عبر تكريس نهج الديمقراطية الوفاقية، وتشكيل حكومة كفاءات تدير ما تبقى من هذه المرحلة الانتقالية، وتنهي صياغة الدستور الديمقراطي بالاستعانة من قبل الخبراء في القانون الدستوري، والأهم في كل هذا هو مواجهة الإرهاب الأعمى الذي تقوده مجموعات من المغامرين والحمقى لا علاقة لهم بالإسلام.