12 سبتمبر 2025
تسجيلمن أهم أقوال "مالكوم أكس" الزعيم الأمريكي الأسود عن وضع الزنوج في أمريكا مقولته المشهورة "إن الأجانب يعيشون أحسن من السود في أمريكا"، هذه المقولة تجسد وضع أمريكا المتعددة الأجناس والأعراق والألوان والديانات من العنصرية والتفرقة والتمييز والفصل. فرغم الادعاءات والشعارات والتغني بالمساواة وعدم التفرقة على أساس اللون أو الدين فالواقع يقول عكس ذلك تماما حيث تظهر جليا المساحة الشاسعة فيما يخص الفرص بين البيض والملونين في مختلف مجالات الحياة. بعد مرور القرون والعقود والسنوات ورغم وجود على سدة الحكم رئيس أسود ما زالت أمريكا تعاني من العنصرية ورغم كل الشعارات والادعاءات والكلام المعسول فإن أمريكا تعاني من التمييز العنصري وتقول الأرقام إن نسبة البطالة في أوساط الزنوج أكثر منها في أوساط الفئات الاجتماعية الأخرى في المجتمع الأمريكي. يرى المحللون والمهتمون بهذه الظاهرة أن المؤسسين الأوائل اقترفوا خطيئة كبيرة عندما قننوا التمييز العنصري وعندما حاولوا استئصال والقضاء على الهنود - السكان الأصليين للبلد - وعندما استعبدوا السود. فما يحدث من حين لآخر من قتل وظلم في حق السود وأقليات أخرى ما هو في حقيقة الأمر إلا وجه آخر من حقيقة المجتمع الأمريكي الذي يلقب بمجتمع مزيج الأعراق والأجناس، لكن بسيطرة الأبيض ببشرته وأيديولوجيته وفلسفته وفكره المسيطر على مجريات الأمور في المجتمع. بمقتل فيلاندو كاستيل في مينيسوتا الأمريكية، يرتفع عدد الأمريكيين من أصول إفريقية الذين راحوا ضحية غطرسة وعنجهية وعنصرية الشرطةِ خلال عام ألفين وستة عشر فقط إلى مائة وستة وثلاثين شخصا، وإلى نحو خمسَمائة من أولئك الذين فقدوا حياتهم على يد الشرطة بنفس العام. فيما بات يصفه حقوقيون بعنف الشرطة. وبعد كل حادثة قتل، يخرج المتظاهرون للاحتجاج.. تتوسع دائرة مطالبهم لتشمل ليس فقط كما يقولون، وقف عنف الشرطة وإنما إحقاق العدالة للضحايا وذويهم وإنهاء حالة العنصرية التي تعاني منها جاليات بعينها في الولايات المتحدة. مقتل خمسة من أفراد الشرطة على يد قناص في دالاس بولاية تكساس الأمريكية خلال مظاهرة قلب الموازين، فيما وصفته صحيفة أمريكية على غلافها بالحرب الأهلية.. ما قد يؤدي إلى تحول كبير حول الجدل المتجدد في الولايات المتحدة: عنف الأسلحة.. أما الحقيقة الراسخة، فيقول نشطاء هي أن القتل لم يتغير، ما تغير هو التكنولوجيا...الكاميرات التي توثق هذه الحوادث. فهل بالفعل تعاني أمريكا من حالة من العنصرية تشكل آفة يصعب القضاء عليها؟ أم أن الأمر متعلق أكثر بسهولة اقتناء الأسلحة في البلاد، أم أن عسكرة الشرطة كما يقول نشطاء هي التي أدت إلى ارتفاع نسبة العنف ضد المواطنين؟ العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة تاريخية معقدة، حيث تعود إلى الفترة التي تلت الحقبة الاستعمارية والتوسعية للأمم، ونتيجة للهجرات الجماعية من العديد من الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية ودول أمريكا اللاتينية في مطلع القرن التاسع عشر. كانت العنصرية والتمييز العرقي في الولايات المتحدة قضية رئيسية منذ الحقبة الاستعمارية وحقبة الرقيق. وكان القانون الأمريكي يعطي امتيازات وحقوقا للأمريكيين البيض لا تمنح للأمريكيين الأصليين والأمريكيين من أصل إفريقي والأمريكيين الآسيويين ومن أمريكا اللاتينية. وكما ضمن القانون للأمريكيين الأوروبيين مميزات في التعليم والهجرة وحقوق التصويت، والمواطنة، وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائية بموجب القانون على مدى فترات من الزمن تمتد من القرن السابع عشر إلى الستينيات. وفي الوقت نفسه عانت الكثير من الجماعات غير البروتستانتية المهاجرة من أوروبا - لاسيَّما اليهود والأيرلنديين والبولنديين والإيطاليين - لقد تم حظر التمييز العنصري الرسمي إلى حد كبير في منتصف القرن العشرين، وأصبح غير مقبول اجتماعيا ومكروه أخلاقيا كذلك. ولكن ظلت السياسة العنصرية ظاهرة رئيسية، وتمثلت في عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، واتخذت أشكالًا أكثر حداثة، وما زال يتجلى التقسيم الطبقي في فرص العمل، والسكن والتعليم، والقروض، والحكومة. كما أكدت عليه شبكة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، "التمييز يتخلل جميع نواحي الحياة في الولايات المتحدة، ويمتد إلى جميع المجتمعات المحلية". اشتعلت «ثورة» غضب في شوارع الولايات المتحدة، منددة بوحشية الشرطة الأمريكية ضد السود، وخرجت مظاهرات في ولايات واشنطن ونيويورك ومينيسوتا وأريزونا ولويزيانا وكاليفورنيا وجورجيا وتكساس وفيلادلفيا وألاباما تحمل شعار «حياة السود تهم» احتجاجا على عنصرية الشرطة، وذلك بعد أسبوع من العنف الذي شهد قتل الشرطة لاثنين من الرجال السود بالرصاص، وبعد 24 ساعة من قيام مسلح بقتل خمسة من ضباط الشرطة في مظاهرة مماثلة في دالاس. وكان مرتكب الحادث ميكا جونسون، وهو جندي سابق أسود، عمره 25 عاما، خدم في أفغانستان، قد فتح النار على 14 من الجنود الأمريكيين، مما أسفر عن مقتل 5 ضباط وإصابة 9 آخرين. وأغلق المتظاهرون الطرق في مدينة نيويورك وأتلانتا وفيلادلفيا، وجرى التخطيط أيضا لمظاهرات في سان فرانسيسكو وفينيكس، ولم تتحدث تقارير وسائل الإعلام المحلية عن وقوع أي اشتباكات أو إصابات خطيرة. وفي العاصمة واشنطن، تظاهر المئات من أنصار حركة "حياة السود تهم" أمام البيت الأبيض لليوم الثاني على التوالي. وأكد أعضاء الحركة، أنهم ليس لهم أي علاقة بقتل رجال الشرطة الخمسة في دالاس، مشيرين إلى أن مثل هذه الأعمال لا تمثل وجهة نظر الحركة أو ما تؤمن به، وقال أحد المتظاهرين، إنه شارك في المسيرة، ليس لإدانة جميع رجال الشرطة أو لتأييد العنف، وإنما للتعبير عن الغضب الذي يعتبره حقا لا ينبغي تبريره. جاء ذلك في الوقت الذي أكد فيه ديفيد براون رئيس شرطة دالاس، أن جونسون أكد قبل مقتله أنه مستاء من حركة «حياة السود تهم»، كما أنه يكره البيض. من جانبه، دعا مايك رولينجز رئيس بلدية دالاس، خلال التظاهرات إلى تضميد جراح العنصرية، متسائلا: هل يمكن لمجتمعنا أن يفهم بصدق وعمق المعاناة التي تسبب بها التمييز العنصري والاستعباد، خطيئة أمريكا الكبرى، عبر التاريخ؟ لم يكن متوقعًا أن يأتي يوم يتولى فيه رجل أسود مثل أوباما منصب الرئيس، في بلاد لها تاريخ مع التمييز العنصري الذي بدأ يتجسد وينتشر بعد الحرب الأهلية الأمريكية، التي تسببت في ظهور قوانين عنصرية تدعم سيطرة البيض في أواخر القرن التاسع عشر. بدأت مقاومة السود لسياسة التفرقة العنصرية في أمريكا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، خاصة ما يتعلق بقوانين التعليم، وظهر في أمريكا زعماء سود يطالبون بتغيير القوانين العنصرية مثل: مارتن لوثر كينج، ومالكوم إكس، واتبع مارتن لوثر كينج الأسلوب السلمي في التعبير عن تلك المطالب المشروعة، وقاد في 1955 و1956 حركة مقاطعة السود لحافلة مدينة مونتجمري عاصمة ولاية آلاباما، بعد واقعة طُلب فيها من سيدة سوداء ترك مقعدها لرجل أبيض في حافلة إلا أنها رفضت، واستمرت المقاطعة إلى أن أصدرت المحكمة العليا حكما بإلغاء قوانين العزل، ودفع مارتن لوثر كينج الثمن بقتله، لكن مقتله لم يزد حركة التوحيد العنصري في أمريكا إلا اشتعالًا وحماسًا، خاصة بعد صدور قانون الحقوق المدنية سنة 1964، واستمر نضال السود في أمريكا حتى جاء اليوم الذي أصبح فيه أوباما الأسود رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية لكن العنصرية ما زالت متفشية سواء في عقول الناس وفكرهم أو في أفعالهم.