15 سبتمبر 2025
تسجيلالحسن البصري يصف الدنيا لعمر بن عبد العزيز :كتب الحسن البصري ( رحمه الله ) إلى عمر بن عبد العزيز ( رحمه الله ) رسالة يصف له فيها الدنيا ، أما بعد : ياأمير المؤمنين فإن الدنيا دار ظعن وانتقال وليست بدار إقامة على حال ، وإنما أُنزل إليها آدم عقوبة فاحذرها ، فإن الراغب فيها تارك ، والغني فيها فقير ، والسعيد من أهلها من لم يتعرض لها ، إنها إذا اختبرها اللبيب الحاذق وجدها تُذِلُ من أعزها ، وتُفرق من جمعها ، فهي كالسم يأكله من لا يعرفه ، ويرغب فيه من يجهله وفيه والله حتفه ، فكن فيها ياأمير المؤمنين كالمداوي جراحه يحتمي قليلاً مخافة ما يكره طويلاً.الصبر على لوائها أيسر من احتمال بلائها ، واللبيب من حذرها ولم يغتر بزينتها فإنها غدارة ختالة خداعة ، قد تعرضت بآمالها وتزينت لخطابها ، فهي كالعروس ، العيون إليها ناظرة والقلوب عليها والهة ، وهي والذي بعث محمداً بالحق لأزواجها قاتلة ، فاتق ياأمير المؤمنين صرعتها واحذر عثرتها ، فالرخاء فيها موصول بالشدة والبلاء ، والبقاء مؤد إلى الهلكة والعناء .واعلم ياأمير المؤمنين أن أمانيها كاذبة ، وآمالها باطلة ، وصفوها كدر ، وعيشها نكد ، وتاركها موفق ، والمتمسك بها هالك غرق ، والفطن اللبيب من خاف ما خوفه الله ، وحذر ما حذره ، وقدر من دار الفناء إلى دار البقاء ، فعند الموت يأتيه اليقين . الدنيا ياأمير المؤمنين دار عقوبة لها يجمع من لا عقل له ، وبها يغتر من لا علم عنده ، والحازم اللبيب من كان فيها كالمداوي جراحه يصبر على مرارة الدواء لما يرجوا من العافية ، ويخاف من سوء عاقبة الدار . والدنيا وأيم الله ياأمير المؤمنين حلم ، والآخرة يقظة ، والمتوسط بينهما الموت ، والعباد في أضغاث أحلام ، وإني قائل لك ياأمير المؤمنين ما قال الحكيم :فإن تنج من ذي عظيمةوإلا فإني لا أخالك ناجيا فلما وصل كتابه إلى عمر بن عبد العزيز بكى وانتحب حتى رحمه من كان عنده ، وقال : يرحم الله الحسن فإنه لا يزال يوقظنا من الرقدة وينبهنا من الغفلة ، ولله دره من مشفق ما أنصحه ، وواعظ ما أصدقه وأفصحه .وكتب إليه عمر بن عبد العزيز : وصلت مواعظك النافعة فاستشفيت بها ، ولقد وصفت الدنيا بصفتها ، والعاقل من كان فيها على وجل ، فكأن كل من كُتِبَ عليه الموت من أهلها قد مات . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .فلما وصل كتاب عمر للحسن البصري قال : لله درّ أمير المؤمنين من قائل حق وقابل وعظاً ، لقد أعظم الله جل ثناؤه بولايته المنة ، ورحم بسلطانه الأمة ، وجعله بركة ورحمة . فلابد للإنسان أن يحذر من الدنيا ، وعليه بطاعة الله سبحانه ،وطاعة رسوله المصطفى ﷺ ، فعن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله ﷺ : ( إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به ، كمثل رجل أتي قومه فقال : ياقوم : إني رأيت الجيش بعيني ، وأنا النذير العُرْيان فالنجاء ، فأطاعة طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا ، وكذَّبته طائفة منهم ، فأصبحوا مكانهم ، فَصَّبَحْهم الجيش في مكانهم فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ، ومثل من عصاني وَكَذَّبَ بما جئتُ به من حق ) .