18 سبتمبر 2025

تسجيل

أعيذكم بالله من الكفر في السياسة

16 يوليو 2015

في البداية أذكِّر بقصة فيها عبرة ؛ تتعلق بجانب من الخلاف الذي جرى بين الصحابيين الجليلين ( علي ومعاوية ) رضي الله عنهما .. هي أنه لما اشتد الأمر بينهما ، أرسل هرقل الروم لمعاوية يقول : علمنا بما وقع بينكم وبين علي ، وإنّا لنرى أنكم أحق منه بالخلافة ، فلو أمرتني أرسلت لك جيشاً يأتون إليك برأسه !! فما كان من معاوية الصحابي الفطن المؤمن إلا أن رد عليه " من معاوية لهرقل : إنما نحن أخوان تشاجرا ؛ فما بالك تدخل بيننا ؟! ولئن لم تخرس أرسلت إليك بجيش أوله عندك وآخره عندي يأتونني برأسك أُقدِّمه لأخي علي " . هذه " النتفة " من قصة الخلاف تجسد بالضبط فهم الصحابة الكرام لمضمون قوله تعالى ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) وفهمهم أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض ، وأن ليس لمؤمن أن يواليهم على إخوانه المسلمين مهما اختلف معهم وأن ذلك من المكفرات المخرجة من الملّة ، بنص قول الله تعالى ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم .. ) وقوله تعالى ( ومن يتولهم فإنه منهم ) .. هذا أقوله في زمن صرنا نرى ونسمع فيه بعض المسلمين يوالون الكافرين والمشركين واليهود والنصارى ويوالون من يواليهم ويدافعون عمن يؤيدهم وينحازون لمن ينحاز إليهم ، أما القاصمة الحقيقية فهي أن من هذا البعض من يظنون أنفسهم على البيضاء ليلها كنهارها فتجده ممن يعمرون المساجد حقيقة ويصومون ويزكون ويحجّون إخلاصا ويرددون كلمة التوحيد قناعة بل - في حالات بعينها – قد يكون ممن يتبوؤون مقامات الوعظ والإفتاء والتعليم .. جدير التذكير هنا بأن علماء الإسلام قد أجمعوا على أن معاونة الكافرين على المسلمين هو الناقض الثامن من نواقض الإسلام إن كان عن قصد وعن نصرة للكافرين وحبا لما هم عليه .. بالتالي فعلى من يجد هواه في غير شرع الله أن يعود على هواه بالتوبة والتصويب .. وفي الحديث " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .وأقول : حتى يسلم للمسلم دينه في ذلك كله ؛ فإن عليه أن يفهم أمرين أساسيين ؛ الأول : أن يحدد موقعه من الأعداء والأصدقاء ومن القضايا المركزية للأمة ، لأن كثيرين من الذين يوالون أعداء الأمة إنما يفعلون ذلك لسوء فهمهم هم لمعادلات الصراع وأنهم التحقوا بفكر فاسد أو ولاء شائه فجعلوا هذا الانحراف والجهل هو ميزان حكمهم على جهة أو حزب دون أن يروا منه سببا واحدا يبرر كل هذه العداوة .. وإذن فليحدد المرء نظرته للكيان الصهيوني ، ثم يحدد موقفه من الحكم بما أنزل الله ، وأن يحدد موقفه وقناعته تجاه الإصلاح والتغيير .. فهذه المحاور الثلاثة إضاءات لن يتوه فيها من يتدبرها بموضوعية صحيحة . وحتى يسلم للمسلم دينه أيضا فإن عليه ثانيا : أن يتيقن وأن يتثبت مما يتهم به الخصوم الذين يتحامل عليهم وألا يكتفي بترديد التهم والإدانات التي معظمها - إن لم يكن كلها - مجرد إشاعات وشبهات وأكاذيب ؛ فالإعلام ليس صادقا كله كما أن القضاء ليس عادلا كله ولا حتى معظمه ؛ بالأخص الإعلام والقضاء المسيسين المدعومين من أعداء الأمة ومن الفاسدين المدانين ، ولنأخذ على ذلك مثالا " أنصار السيسي " في مصر الذين يكرهون الإخوان ويتربصون بهم الدوائر ، هم يكرهونهم لأنهم يصدقون ما يسوقه الانقلاب من دعاوى ، فالسؤال : هل هم رأوا من الإخوان بأنفسهم وبعيني رؤوسهم إلا كل خير من عمل صالح ونصرة للضعيف وثورة على الطاغوت ونزاهة في الأخلاق ورغبة في المشاركة ؟ فلماذا معاداتهم إذن ؟ ولماذا مناصرة العدو عليهم إذن ؟ ولماذا كل هذا الانهيار في القيم الوطنية والدينية والأخلاقية لدرجة الفرح بمصاب غزة والحزن على مصاب قتلة الأنبياء من قبل وقتلة الجيش المصري من بعد ؟! آخر القول : المواقف السياسية والولاء والبراء والنصرة ليست مجرد مسألة آرائية ولا هي طلاسم لا يفك رموزها إلا المتسلطون على عقول البسطاء .. ولكنها قضية عقيدة وقضية دين من أبسط ما يفهمه ويطالب به العالم والعامي ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) .