13 سبتمبر 2025
تسجيلعندما أقول محاكمة يوسف عليه السلام فإن ذلك يحتمل أمرين: الأول أن يكون هو المحاكِم – بكسر الكاف- اسم فاعل، أي القاضي، أو أن يكون المحاكَم- بفتح الكاف اسم مفعول- أي المتهم وعند قراءة قصة يوسف عليه السلام في القرآن نجد المعنَيَيْن، حيث وقف سيدنا يوسف عليه السلام متهما في قضية امرأة العزيز، ووقف قاضيا في قضية أخيه بنيامين وسرقة الصاع. أما القضية الأولى فهي قصته مع امرأة العزيز التي بادرت واتهمت سيدنا يوسف بالباطل، ولكن بتفنيد دليل الاتهام وجد أن يوسف عليه السلام بريء، (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ*فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). ومن المتوقع بعد ذلك أن تبرأ ساحة يوسف ويرد له اعتباره، لكن الظلم جاء تخلده هذه الآية: (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، [سورة يوسف: 35]) ولصاحب الظلال استنباط لجو هذه المحاكمة يقول فيه: وهكذا جو القصور، وجو الحكم المطلق، وجو الأوساط الأرستقراطية، وجو الجاهلية! فبعد أن رأوا الآيات الناطقة ببراءة يوسف . وبعد أن بلغ التبجح بامرأة العزيز أن تقيم للنسوة حفل استقبال تعرض عليهن فتاها الذي شغفها حباً، ثم تعلن لهم أنها به مفتونة حقاً، ويفتتن هن به ويغرينه بما يلجأ إلى ربه ليغيثه منه وينقذه، والمرأة تعلن في مجتمع النساء دون حياء أنه إما أن يفعل ما يؤمر به، وإما أن يلقى السجن والصغار، فيختار السجن على ما يؤمر به! ،بعد هذا كله، بدا لهم أن يسجنوه إلى حين! ولعل المرأة كانت قد يئست من محاولاتها بعد التهديد؛ ولعل الأمر كذلك قد زاد انتشاراً في طبقات الشعب الأخرى . . وهنا لا بد أن تحفظ سمعة « البيوتات »! وإذا عجز رجال البيوتات عن صيانة بيوتهن ونسائهن، فإنهم ليسوا بعاجزين عن سجن فتى بريء كل جريمته أنه لم يستجب، وأن امرأة من « الوسط الراقي! » قد فتنت به، وشهرت بحبه، ولاكت الألسن حديثها في الأوساط الشعبية! لكن الله تعالى أراد أن يبتليه بالضراء ثم ينعم عليه بالسراء والرخاء، ولم يخرج يوسف من السجن إلا بعد أن اشترط إعلان براءته في محضر رسمي أمام الملك، خاصة أنه سيتولى منصبا رسميا في الدولة، وينبغي أن يكون طاهر الذيل غير مغموز في شرفه وأمانته، حيث إنه في السجن بتهمة خيانة العزيز في زوجه، فكيف يكون أمينا على خزائن مصر وأموالها وأهلها. الموقف الثاني في السرقة التي نسبت إلى أخيه، والتي كانت بدايتها أن أذن مؤذن (أيتها العير إنكم لسارقون) فجاء إخوة يوسف يسألون عما فقدوه، نقرأ الحادثة في القرآن في قوله تعالى: (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ، قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ، قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ، قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ، فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ،قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ، قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ) و هذه الآيات لها وقفات نقفها في مقالة الغد إن شاء الله